إنتصار عظيم للمحامين على النظام العسكري في مصر في واقعة مرسى مطروح

بمناسبة 25 يناير، يوم الثورة المصرية عام 2011، يبرز حزب دعم هذا المقال الهام بقلم الناشط السياسي المعارض والصحفي المصري المقيم في السويد، السيد محمد سعد خيرالله. المقال يؤشر الى مكسب هام جدا للحركة الديمقراطية في مصر تم احرازه في الايام الاخيرة في مرسى مطروح بتحرير المحامين الستة الذين حكم عليهم بسنتين سجن بقرار قضائي جائر ودون حد ادنى من الدلائل. ويؤكد الكاتب بان الحراك الجماهيري للمحامين في كافة محافظات مصر بقيادة مجلس نقابة المحامين اجبر النظام العسكري على التراجع والافراج عن المعتقلين.

***

بالفعل. ما حدث في مدينة مرسى مطروح في مصر كان  بالمعنى الحرفي للكلمة انتصارًا للحركة الديمقراطية في البلاد.

 فما تم احرازه يستحق أن  يوصف بأنه “انتصار عظيم” وياتي قبل ثلاثة أيام من الذكرى الثانية عشرة لثورة يناير. بالتحديد يوم الأحد 22/1/2023 حقق المحامين المصريين  فوز مدوي على جمهورية العساكر  التي تحكم مصر منذ انقلاب عام 1952 وخاصة منذ الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال السيسي عام 2013. الفوز تحقق على أرض مرسى مطروح، محكمة الجنح والتي كانت قد أصدرت حكم سابق في 19 من نفس الشهر على 6 من المحامين بالحبس لمدة عامين مع الشغل والمراقبة لمدة مماثلة وكأنهم من أرباب السوابق كعقوبة لهم على مشادة كلامية تطورت إلى اشتباك بالأيدي مع ثلاثة موظفين في المحكمة. وقد تقدم الطرفين ببلاغات وبدلا من التحقيق في الأمر “حفظ بلاغ المحامين” وتم تحريك بلاغ موظفي المحكمة وتصديق روايتهم الكاذبة وكأنه تعدي وبلطجة، من طرف واحد “قمة الشطط والظلم”، فتم القبض على المحامين الستة وتقرر حبسهم 14 يوم على ذمة القضية.

قرار الحبس الجائر والظالم والذي يترجم حال العدالة في مصر والتي تحولت إلى أداة ليست أكثر من ذلك في يد النظام العسكري لتصفية الحسابات السياسية والاجهاز على الخصوم. هذا القمع والظلم لا ينفذ فقط على الساسة بل على كل من يتجرأ على قول كلمة “لا” في أي مجال وبكل مكان.

مهم جدا أن أشير إلى تصنيف الدولة المصرية بحسب مشروع العدالة في العالم (world justice project)  هو بالمرتبة الـ135، من بين 140 دولة، في مؤشر العدالة وسيادة القانون، والأمور تمضي من سيء إلى أسوأ ويبدو أن مصر تقترب من المركز الأخير في هذا التصنيف للعام الحالي 2023، علما بان النظام العسكري المصري يشكل مثالًا  للاستبداد في العديد والعديد من تقارير هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية “أمنيستي ” وغيرها من المنظمات المحترمة  والتي تتمتع بكامل المهنية والمصداقية .

“ولكن كيف تحقق الانتصار ؟؟”

بمجرد صدور الحكم ضد المحامين المتهمين تحول زملائهم  ” ويبلغ عددهم على مستوى الجمهورية قرابة 190 ألف محام” إلى خلية نحل وورائهم مجلس نقابة برئاسة النقيب، عبد الحليم علام، وهو في نفس الوقت رئيس اتحاد المحامين العرب. وقد تم توجيه الدعوة إلى اجتماع طارئ لمجلس النقابة العامة مع النقباء الفرعيين وذلك بالنقابة العامة  بالقاهرة في يوم الجمعة 20/1/2023  لمناقشة ما يراه المجلس مناسبا من مسارات قانونية واحتجاجية بالقضية لا سيًما وقد كان من المقرر أن تتم  جلسة نظر الطعن بالاستئناف على الحكم الصادر بحق المعتقلين في مرسى مطروح بجلسة الأحد 22 من يناير.

بتزامن مع الاستعداد لجلسة مجلس النقابة دب نشاط غير عادي في كل النقابات الفرعية على مستوى المحافظات، علما بانه ما حدث هو تكرار لمسلسل غرائبي من التربص والتنكيل الدائم بالمحامين داخل أقسام الشرطة والنيابات المصرية من  الضباط و رجال القضاء. وفي حالة مماثلة وصل الهزل إلى حد القبض على محامي ذهب للدفاع عن متهم داخل نيابة أمن الدولة. والمحامي الذي أشير اليه هو محمد الباقر الذي كان يدافع عن الناشط الحقوقي والمدوّن، علاء عبد الفتاح، عام 2019، إذ صدر الحكم على علاء ومحمد الباقر بنفس القضية بحبس فعلي لمدة 5 سنوات. وقد تحول علاء فيما بعد الى أحد أشهر السجناء في مصر وربما العالم. تخيلوا وصلنا إلى هذه الدرجة!!

قبل واقعة الباقر وعلاء وقائع كثيرة جدا لا تتسع المساحة المتاحة للمقال لسردها. تراكم المظالم أوصل عموم المحامين إلى حالة من الضجر والضيق فعزموا على وضع نهاية لكل تلك الخروقات وتحلوا برباطة الجأش. هذه الخلفية للقرارات النضالية والشجاعة التي صدرت من جلسة مجلس النقابة المصيرية يوم الجمعة 20/1 والتي اظهرت عزم وتصميم المحامين على المضي قدما نحو تحقيق العدل مهما كلفهم الأمر.

قرار المجلس شمل 8 بنود كانت اهمها: 

•       أن أزمة محامي مطروح لا تمثل أزمة للمحامين بشخوصهم، وإنما هي أزمة متعلقة بمهنة المحاماة والمحامين، وهي تكرار لواقع مرير، ولن ينتهي إلا بوضع الضوابط والقواعد المنصوص عليها بأحكام الدستور وقانون المحاماة، وتفعيل تلك النصوص الثابتة، والتي تمنح المحامي حصانه أثناء وبسبب تأدية رسالته السامية، وواجبه المهني، باعتباره شريكًا فعليًا للسلطة القضائية في تحقيق العدالة.

•       يؤكد المجتمعون على أنهم في حالة انعقاد دائم حتى انفراج تلك الأزمة.

•       أنن نقابة المحامين تقف خلف أعضائها في إطار من الشرعية وسيادة القانون وأنها لن تقبل الإساءة لأعضائها من أي جهةٍ كانت.

•       اتفق المجتمعون على ضرورة استمرار العمل بالقرار الصادر من النقابة العامة للمحامين بتعليق العمل أمام محاكم الجنايات والنيابات المختلفة لحين صدور قرار آخر.

•       اكد الحاضرون على مشاركة نقيب المحامين في تشكيل هيئة دفاع لحضور جلسة 22 يناير 2023، لتولي مهام الدفاع لأن القضية ودعوا النقباء الفرعيين، ومجلس النقابة العامة لحضور جلسة المحاكمة بمرسى مطروح.

أثلجت القرارات صدور الجميع وهو ما ترجم واقعيا على الأرض بصورة مذهلة أعادت لنا ذكرى أجمل الأيام “18 يوم الأولى أثناء ثورة يناير”. وقد توافد ألوف المحامين من كل محافظات مصر على مرسى مطروح يوم نظر الجلسة وكان شعارهم “لن نعود إلى منازلنا إلا بعد الإفراج عن زملائنا” و”كرامة المحامي خط احمر”. وهذا مسمى هشتاج يشرح بمنتهى الاختصار خطورة الوضع.

وإزاء هذا الحدث الاستثنائي والذي يأتي في ظل الازمة الاقتصادية والسياسية الخطيرة التي دخلت اليها مصر كنتيجة لفشل الطغمة العسكرية بقيادة البلاد، لم يكن أمام النظام العسكري وقضائه المسيس الإ الرضوخ الكامل والافراج الفوري عن المتهمين وتحديد موعد 5 من فبراير القادم للنطق بالحكم. تحديد الموعد يعتبر اجراء شكلي فلقد تم توثيق الصلح قبل جلسة الإستئناف في الشهر العقاري مما يجعل البراءة في حكم المؤكد .

وهنا لابد من الإشارة إلى مقولة نقيب المحامين، عبد الحليم علام، التي تشرح بقمة الوضوح ما يستهدفون تحقيقه: “يجب أن نظل دومًا صفًا واحدًا معتصمين برسالة المحاماة وقيمها، مستمدين منها وحدها ومن القانون كرامتنا ورفعتنا وتطلعنا نحو مستقبل أفضل، ولتبقى دائمًا كرامة المحامين فوق كل شيء”. 

وفي نهاية المقال أتمنى أن تكون الملحمة النضالية للمحامين بداية استفاقة جماعية للمجتمع المصري بكل فئاته لتصويب الأوضاع عن ما قريب والوصول  إلى الدولة المستحقة للمصريين, دولة الحرية والسلام والمساواة.

  • الكاتب – محمد سعد خيرالله

محلل سياسي متخصص في الشأن الشرق أوسطى، كاتب رأي

عضو رابطة القلم السويدية “SVENSKA  P.E.N”

مقيم في مدينة لوند، السويد

عن محمد سعد خيرالله