المرأة ضحية التطرف الديني

من اليسار: اسماء اغبارية-زحالقة، حنين راضي، وفاء طيارة وحنين زعبي

الندوة التي تمحورت حول موضوع المرأة العربية ونضالها من أجل الحرية والمساواة كانت من أهم الندوات في المؤتمر  الفكري الذي نظم حزب دعم في الناصرة في آب 2015، إذ شاركت بها كل من العدّاءة من مدينة الطيرة، حنين راضي، والرفيقة في حزب دعم وفاء طيارة والنائبة في الكنيست عن حزب التجمع حنين زعبي. وقد عقدت الندوة بعنوان “نساء يتوقفن عن الصمت”، اذ طرح مسألة في غاية الأهمية وهي حالة المجتمع العربي كما تظهر من خلال مكانة المرأة. إن الرؤية النقدية عن المجتمع العربي لا يمكن أن تقفز عن وضع المرأة العربية، لا شك بأن هذا موضوع يمثل قصة العالم العربي برمته وهو مرتبط ارتباطاً عضوياً بظاهرة الفقر، الأميّة والتخلف الاقتصادي والاجتماعي. إن المجتمع العربي في إسرائيل يتماهى بنمط حياته، عاداته وتقاليده مع المجتمعات العربية الأكثر تخلفاً حتى وهو يحتك يومياً مع المجتمع الإسرائيلي بل هو جزء لا يتجزأ من نشاطه الاقتصادي العلمي والرياضي وغيره. رغم كل التمييز ضد العرب فإنهم يشغلون كل المناصب في الدولة من مدراء مستشفيات، أساتذة في الجامعات، مقاولين كبار وعمال في مرافق الصناعة. ومع ذلك عندما نتحدث عن المرأة فهي تبقى مهمشة ومقموعة مثلها مثل المرأة العربية في أبعد قرية عربية في مصر أو اليمن.

حنين راضي

وكانت قصة حنين راضي نموذجاً لما تعاني منه المرأة العربية من قمع مزدوج في الحياة كمواطنة عربية في إسرائيل. إن “جريمة” حنين راضي هو حبها للرياضة وتحديدا لسباقات الماراثون. مشاركة النساء في هذه النوع من الرياضة ليس غريبا في العالم ولكنها تعتبر أمراً شاذاً في المجتمع العربي في إسرائيل. إن مدينة الطيرة التي تسكن فيها حنين راضي وعائلتها ليست بعيدة عن مدينة كفر سابا اليهودية مما سمح لحنين وحتى لزوجها وأولادها أن يركضوا على راحتهم في شوارع وملاعب المدينة اليهودية.

إلا أن النساء من قريتها اللواتي ترغبن بالجسم الصحي والاستمتاع  بالنشاط البدني طلبن من حنين أن تنظم فرقة للركض في القرية. وقد روت حنين للجمهور عن صبيّة قالت لها أن الركض غير من حياتها كونها أصيبت بمرض والرياضة حسّنت من وضعها حتى وسألها الطبيب عمّا فعلت بعد أن شهد التحسن في وضعها الصحي ليقول لها بعد ذلك أكملي في هذا النشاط. وقد وصل عدد الإناث المشاركات في الدورة التي نظمتها حنين راضي 80 أنثى كنّ يركضن ثلاث مرات في الأسبوع في ملعب البلد. ولم تكتف حنين في هذا النشاط بل شاركت مع كل البنات في ماراثون تل أبيب حتى تشجعت على التفكير بان تنقل الماراثون إلى الوسط العربي وهذه كانت غلطتها الكبيرة فما هو مسموح في تل أبيب يعتبر كفراً في المدينة العربية رغم أنها تقع على بُعد ربع ساعة منها.

وقد توجهت حنين راضي إلى بلدية الطيرة التي وافقت على الفكرة وقد سجلت 280 أنثى من البلد والقرى المجاورة ولكن قبل موعد المارثون بيومين تم إطلاق النار على سيارتها وبعد ذلك تم فتح صفحة فيسبوك تحرّض ضدّها وضدّ الماراثون وكالعادة وصلت الأمور إلى الجوامع التي أصبحت منبراً للترهيب وغسل دماغ الناس. الادعاء ضدي قالت حنين راضي كان أن الركض هو فساد والأنثى التي تبدأ بالركض من المؤكيد ستقوم لاحقاً بأعمال غير أخلاقية حسب اجتهاد من عيّنوا أنفسهم قيّمين يعلى “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” حسب المنهج السعودي. وقد شعرت إثر ذلك بالخوف على نفسي وعلى سلامة أولادي وقررت إلغاء الماراثون.

وهنا لاحظت حنين بأنه ما من أحد وقف في هذا الظرف الخطير إلى جانبها ونفس المجلس المحلي الذي وافق على إجراء الماراثون تراجع عن موقفه. رغم ذلك ورغم الصعوبات تقول حنين – أنا مستمرة في نشاطي الرياضي ولكن في كفر سابا اليهودية لأنه كما يتبين فإن الرياضة ملائمة لليهود والغرب مثلها مثل الديمقراطية هذا شيء غريب على العرب.

وفاء طيارة

وبعد هذه الشهادة الحزينة تلتها كلمة الرفيقة وفاء طيارة التي تكلمت من موقعها كناشطة في المجال النسائي وتحديداً في تشغيل النساء العربيات العاطلات عن العمل في مجال الزراعة. وتعليقاً على شهادة حنين راضي وخوضها في صلب موضوع الندوة قالت وفاء بأن هذه الظاهرة من التطرف الموجهة تحديداً ضدّ النساء لا تضر بالنساء فقط بل تعود على المجتمع ككل وبهذه الطريقة تم اختزال  وتهميش المشاكل الحقيقية التي يعاني منها مجتمعنا بسبب السياسة الحكومية ، ليركزوا كل طاقتهم على مراقبة وقمع النساء.

وقد اقتبست وفاء من مقالٍ لمعاذ الخطيب (الحركة الاسلامية الشمالية) رداً على مشاركة شباب وشابات في دبكات شعبية ورقص في أمسية في أم الفحم بمناسبة عيد الفطر يقول ” إن المرأة نصف المجتمع فإن صلحت صلح المجتمع وإن فسدت فسد ولأجل هيك بتشوف إنو الكلام عن أخلاق المرأة أكثر بكثير من الكلام عن أخلاق الرجل”.

وردت وفاء على هذا الكلام بالقول: إذا المشكلة هي في النساء وليس في الرجال هل يعقل أنه في هذا القرن والتطور الحضاري، أربي إبني وبنتي إنه كل ما نعاني منه من مشاكل سببه المرأة؟ هل الطخ والقتل اليومي في قرانا ومدننا سببه النساء؟ هل انتشار المخدرات سببه النساء؟ بالله عليكم أليس التطرف الديني هو من مزق أوصال المجتمع العربي الفلسطيني، المصري، اليمني، السوري؟

 وقد منحت وفاء نبضة مقتضبة عن تجربتها الشخصية حول وضع المرأة العربية قائلة: رافقت النساء العاملات والغير عاملات من خلال ورشات التدعيم والتمكين، النساء عانين من المجتمع الأبوي القامع بدءً من الأمور الصغيرة وصولاً إلى الحرية الفردية، وللأسف كانت  تمنع النساء من الذهاب إلى العمل إن لم يكنّ تحت وصاية رجل، تمنع من السفر لمكان العمل إذا كان بعيداً. تمنع من حقّها بان تشارك في مقال صحفي أو تظهر على الإعلام أو أن يتم تصويرها من أجل تسليط الضوء على مشكلة نعاني منها وإظهارها للراي العام. وقد رأيت عدة مرات نساء يوافقن ثم يعتذرن عن المشاركة في فعالية أو التحدث إلى الصحافة لأنهن لا يمسكن بزمام الأمور وعليهن قبول الوصاية من الرجل القامع الذي يقرر عنهن حسب وجهة نظره أو حسب مقاييس وضعها لهن آخرون يقررون مصير ونهج حياتهن!

وأردفت طيارة بموقف واضح: توجيه النقد الذاتي من أجل التغير الاجتماعي الداخلي هو أساس لتقوية مجتمعنا. كيف يمكننا أن نطالب بالمساواة من الدولة ولسنا متساوين في داخلنا؟ إن تقوية المجتمع ورفع المستوى الثقافي ومنح النساء كافة الحريات للتطور والتقدم هو شرط لا بد منه من أجل رفع مستوى نضالنا من أجل المساواة والتحرر.

 تفشّي العنف وانتشار السلاح يعود إلى معاملة النساء وما تم استخدامه ضد النساء عاد بكل القوة على المجتمع ككل. تحريض قسم من رجال الدّين للذكور بالتعامل الشديد والحزم مع النساء من خلال السيطرة وتولّي أمر النساء ومراقبتهن وقمعهن وإجبارهن على نهج حياة ولباس لا يردنه ليس سوى شكلاً من أشكال العنف والترهيب. إن العنف لا يُستخدم فقط ضد النساء بل أصبح وسيلة لحل النزاعات العائلية، السياسية، الطائفية والشخصية. لا يمر يوم إلا ونسمع بحادثة قتل أو شجار على خلفية عائلية أو طائفية أو ما يُسمى “شرف العائلة”. العنف أصبح سيّد الموقف في الشارع العربي إذ أصبحت حياتنا وحياة أولادنا في خطر لانعدام الأمن والأمان في الشارع والمدرسة والمقهى.

وأنهت طيارة كلمتها المثيرة بالقول إن إلغاء الآخر وعدم تقبله واحترامه، العنف ضد النساء، القمع الترهيب والتكفير، كم الأفواه والعنف اللفظي والجسدي يمارس تحت غطاء ديني. ولم يكن هناك كفاية من الناشطين العقلاء للتصدي أو حتى لانتقاد ومحاربة هذه الموجة، ابتداء من مدراء المدارس ورؤساء المجالس والبلديات وأصحاب القرار والناشطين السياسيين. ربما كان الجميع يخشون على مكانتهم من إثارة غضب الجهات الدينية المتطرفة ولذلك امتنع الجميع عن انتقاد أو محاولة علاج هذه الآفة إلّا قلة قليلة،  ومعنا اليوم النائبة حنين التي انتقدت وتصدت وكان لها موقف مشرف وجريء من قضية قمع النساء.

حنين زعبي

وقد قامت النائبة حنين زعبي بتعريف نفسها والطريق التي سلكته إلى أن وصلت إلى موقفها السياسي الحالي. وقالت أنها دخلت السياسة ليس من باب القضية الفلسطينية بل بسبب التربية في بيتها التي انطلقةت من الحساسية لقيمة المساواة وكرامة الإنسان. قد فسرت زعبي معنى مصطلح القومية عند الضحية التي تختلف عن قومية المستعمر وقالت: لسنا مع القومية الفاشية مثل الصهيوني بل ما نريده هو قومية ديمقراطية. أما مشكلتنا فهي الخوف وعدم الاستعداد للنضال من أجل حقوقنا وهذا ما وجدناه في حادث الماراثون. فما وجدناه هو صمت العقلاء. إن المشكلة ليست في الدين بل هي قضية اجتماعية بغطاء ديني والمتهم الأول ليس من يريد أن يُسكتك بل العقلاء وصمتهم عليه، ونريد أن نتغلب على هذا خوف لأن صوتنا يضمن حصانة المجتمع.

وتسألت زعبي: هل من الممكن أن نفصل وضعنا الإجتماعي والتخلف القائم عن المشروع الصهيوني؟ إن إسرائيل دمرت المجتمع الفلسطيني وطردت الطبقة العليا والطبقة الوسطى التي تقود النضالات في كل مجتمع من أجل الحقوق المدنية وحرية المرأة مثلما يحدث في العالم العربي. كيف يمكننا فصل مكانة المرأة العربية  عن الوضع الاجتماعي الذي فرضته إسرائيل؟ إذ كانت نسبة البطالة بين النساء عندنا 70% كيف يمكننا أن نحصل على حقوقنا؟ فقدنا المدينة وبقينا مجتمعاً ريفياً.

وأردفت الزعبي: تشغيل النساء العربيات يبقى مهمتي البرلمانية وأهم طريقة لمكافحة التخلف والفقر في الوسط العربي. إن اسرائيل هي المسؤول الرئيسي عن وضع الفلسطينيين مواطني الدولة ولكن ذلك لا يلغي حقنا وواجبنا في توجيه النقد للمجتمع وأنا سأستمر بذلك رغم تعرضي لهجمات وتهديدات.

وقالت النائبة الزعبي: لا نستطيع أن نفصل بين المشروع القومي وحامل المشروع وهو الإنسان الفلسطيني، حيث أن العديد من الأبحاث السياسية أثبتت أن القمع الداخلي الذي يسبب تفككاً داخلياً للمجتمع يقلل من وعي المجتمع للاستبداد السياسي.إن الاستبداد السياسي والقمع الداخلي مرتبطين ومن هنا فإن نضالنا مزدوج. إن دور الأحزاب الأساسي هو تقوية الحوار الداخلي وإعادة بناء لجنة المتابعة العربية كإطار لهذا الحوار بين الأحزاب والمؤسسات الإجتماعية من أجل تقوية المجتمع.

فيما يتعلق بالعمل البرلماني في متابعة القضايا اليومية التي يعاني منها المواطن العربي مثل مشاكل التعليم والصحة والتأمين الوطني، قالت الزعبي – إننا نواجه استهتاراً ويتم التعامل معنا كأننا مقتحمين للأرض. نحن مستنزفين سياسياً، 35% من المواطنين يمتنعون عن التصويت ولا يشاركون في النضال، أما عندما نصل إلى حادثة مثل الماراثون فيبرز الشباب على الفيسبوك لعرض عضلاتهم. أن يكتب طالب على الفيسبوك “حنين ما خصكيش في الطيرة” فهذا يشير إلى عصبية. الموضوع ليس الماراثون بل لماذا يتدخّل أحد من خارج الطيرة بما يحدث في الطيرة. إننا بحاجة لحوار بين كافة أطراف المجتمع وليس للتكفير. نحن بحاجة لتقوية الإنسان من خلال التربية الصحيحة والاستعداد لتقبل رأي الآخر وإلّا فهذا المجتمع سيبقى عاجزاً عن مواجهة المشروع الصهيوني العنصري.

عن حزب دعم

يرى حزب دعم أن برنامج "نيو ديل إسرائيلي – فلسطيني أخضر" هو الحل الأنسب لمعالجة الأزمة السياسية والاقتصادية التي تمر بها إسرائيل، وهو مرتكز أساسي لبناء شراكة إسرائيلية فلسطينية حقيقية لإنهاء نظام الفصل العنصري "الأبرتهايد" الذي تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين في المناطق المحتلة. هذا الحل مبني على أساس "العدالة المدنية"، ما يعني منح الفلسطينيين كامل الحقوق المدنية ووقف كل أنواع التمييز والتفرقة بين اليهودي والعربي ضمن دولة واحدة من النهر إلى البحر. إن تغيير الأولويات الاقتصادية والاجتماعية ومحاربة الاحتباس الحراري لإنقاذ البشرية من الانقراض ليس مهمة "صهيونية" فحسب أو "فلسطينية"، بل هي مهمة كونية وأممية في جوهرها. ومثلما لا يمكن تطبيق الأجندة الخضراء في أمريكا من دون معالجة العنصرية ضد السود، كذلك لا يمكن تحقيق برنامج أخضر في إسرائيل بمعزل عن إنهاء نظام الأبرتهايد والقضاء على التمييز العنصري تجاه المواطنين العرب في إسرائيل.