بيان صادر عن حزب دعم 26/2/2018
المشاهد التي تأتينا في الايام الاخيرة، من الغوطة الشرقية في سوريا، والتي تظهر بها جثثٍ لاطفال ونساء ورجال ابرياء عُزل، يتم قتلهم بشكل ممنهج ومتعمد، في ظل صمت عربي مُطبق، وتجاهل دولي خطير لا يُحرك ساكناً.
ان ما تبثه وسائل الاعلام، وشبكات التواصل الاجتماعي، من احداث وصور، للغارات الهمجية والقصف البربري من قبل النظام السوري، بمشاركة فعالة من الدولة الايرانية، والجمهورية الروسية، الذي يستهدف المشافي والاحياء السكنية، هو بحسب كل الاعراف والمعايير الانسانية والحقوقية، جرائم حرب بحق الانسانية، وتُؤكد على غياب القيم الانسانية، وفقدان الضمير العالمي، الامر الذي يهدد شعوب العالم وحقوقهم في كل مكان في ارجاء المعمورة.
ان الجرائم والمجازر، التي يقوم بها النظام السوري، وحليفيه الايراني والروسي، ضد الشعب السوري لم تستمر، لولا مواقف التجاهل والتواطؤ واللامبالاة، التي تعامل بها النظام الدولي الذي يتصارع على مصير ومستقبل وخيرات سوريا، كالولايات المتحدة الامريكية، واسرائيل وتركيا، ودول الخليح، وعلى رأسها السعودية، وقطر اللتان تدعمان ميليشيات المرتزقة التابعة لها، مثل جيش الاسلام، جبهة النصرة، احرار الشام، لجان حماية الشعب الكردية، والميلشيات المدعومة من اسرائيل في الجولان وحوران.
ان المؤامرة الكونية التي يدعي النظام السوري انه يخوضها، ما هي في الحقيقة، الا حرب النظام نفسه ضد شعبه، الذي انطلق الى الشوارع ،بشكل سلمي للمطالبة بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وانتهت في استقدام النظام والمعارضة، لقوى اجنبية كانت عبارة عن احتلالات جديدة، لا يهمها مصير ومستقبل السوري، بقدر ما يهمها، تنفيذ اجندتها وضمان مصالحها العديدة، في الارض السورية، بكل ما تشكله من موقع استراتيجي وخيرات طبيعية.
لقد كان الخط الفاصل بين المعسكرين، النظام والمعارضة، في بداية الثورة السورية العادلة، واضح الملامح، الا ان انقلاب الرئيس الامريكي” اوباما” على المعارضة، من اجل الوصول الى الاتفاق النووي مع ايران، خلط كل الاوراق، وانقذ النظام السوري من السقوط المؤكد. فتمحور الدعم العسكري، والسياسي، والاقتصادي، والديبلوماسي، الروسي والايراني، مع النظام السوري، فيما حُظيت المعارضة بدعم امريكي وتركي وخليجي. وكان من نتائج خلط الاوراق على الساحة السورية، اتفاق روسي امريكي بمباركة اسرائيل، تخلي النظام السوري بموجبه عن الاسحلة الكيميائية وتسليمها، وتحجيم المعارضة السورية عسكريا ومنع دعمها، مما فتح الطريق امام تنمية وتقوية تنظيم ” داعش” ومنح النظام الحرية بشن حربه المجنونة، ضد الشعب السوري، باستخدام مختلف الاسلحة الفتاكة من قصف عشوائي، وبراميل متفجرة واسلحة كيميائية، وغازات سامة، اودت بحياة الالاف السورين الابرياء.
ان ظهور داعش، وتحديدا بعد سقوط الموصل في العراق، ادى الى تغيير نوعي في موقف ادارة اوباما، التي اعتبرت تنظيم” داعش” عدو استراتيجي، حيث لم تكترث لا بمصير الاسد، ولا مصير الشعب السوري برمته. وادى هذا التغيير الاستراتيجي الى الاستغناء عن ما يسمى “الجيش الحر” لصالح التحالف مع الاكراد ،الذين استغلوا ضعف النظام والمعارضة، ليصبحوا مرتزقة في الحرب ضد داعش، مقابل انشاء حكم ذاتي في المنطقة الحدودية مع تركية. هذه الخطوة ادت بدورها الى تغيير نوعي في سياسة اردوغان، الذي طلب الدعم الروسي، في محاربة الاكراد المدعومين امريكيا.
ان الثمن الذي دفعته تركية، مقابل الدعم الروسي، كان قبول التدخل الروسي المباشر في سوريا وسقوط حلب، مقابل تحرير مدينة الباب من القوات الكردية. في المقابل سلّحت دول الخليج وموّلت مختلف الميليشيات الاسلامية المتطرفة، التي قضت على روحية الثورة السورية من التنسيقيات والشباب السوري الثوري، لتحتل وتستولي على ما يسمى المناطق “المحررة” من النظام في ادلب والغوطة الشرقية.
واليوم ورغم هزيمة داعش، وسقوط الموصل، بأيدي الميلشيات الشيعية المدعومة ايرانيا، والرقة بأيدي الاكراد المدعومين امريكيا، الا ان الحرب لم تتوقف، والمجازر تستمر، ولكن هذه المرة بتواطؤ كل القوى المتداخلة في سورية.
ان مجازر الغوطة الشرقية بهذه الشراسة والهمجية البربرية، تأتي للتعويض عن الفشل، الذي مُنى به “مؤتمر سوتشي”، الذي دعا اليه الرئيس الروسي بوتين، في ظل غياب المعارضه بضغط امريكي، الذين ارادوا حصتهم في مستقبل سورية. وهدف منظمو المؤتمر الى فرض حل سياسي يحمي النظام السوري، ويُبقى بشار الاسد في الحكم. وأما اسرائيل فقد عبرت عن قلقها من الوجود الايراني، المنتشر في جبهة الجولان، وتعاظم قدرة حزب الله في جبهة جنوب لبنان .
ان سبع سنوات من الحرب “الدولية بالوكالة” في سوريا، راح ضحيتها اكثر من 400000 مواطن سوري، اعتقال وتعذيب 200000 سجين معارض للنظام، وتدمير 2 مليون منزل، وتهجير اكثر من 10 مليون لاجئ سوري، وقد دفع المدنيين السوريين العزل في الغوظة الشرقية وادلب، ثمنا للصراع الدولي الروسي الامريكي، والصراعات الاقليمية بين اسرائيل وايران وتركيا ودول الخليج.
لقد اثبتت هذه الحرب بكل تعقيداتها، ان القتل لا يحل المشكلة، بل يفاقمها. وان هذا الارقام الرهيبة، تدل على جريمة ضد الانسانية، وعلى انه لا يمكن لبشار الاسد ونظامه، ان يكونا جزء من مستقبل سوريا ، تحت اي ظرف من الظروف لتورطهما في سفك الدم السوري.
لقد أُبتليت شعوب المنطقة بقادة وزعماء وقيادات، لا تكترث لحقوق الانسان وحرية الشعوب، ورفاهيتها وسعادتها،كــ (ترمب، بوتين، خامنئي، اردوغان، نتانياهو، محمد بن سلمان، تميم آل ثاني وحسن نصر الله، بشار الاسد) وقد أثبتوا انهم طغاة ،لا تعنيهم شعوب المنطقة، بقدر ما تعنيهم مصالحهم وطغيانهم،
على شعب ليبيا ومصر والعراق واليمن وايران وفلسطين وسوريا.
وتأكيداً على هذا الطغيان، والاستهتار بحقوق الانسان ومصير الشعوب، وعدم احترام القانون الدولي قرر الرئيس الامريكي ترامب بنقل السفارة الامريكية الى القدس، وفتح ابوابها تزامنا مع عيد استقلال اسرائيل السبعون، وهذا ليس سوى انعكاس مباشر لسياسة القوة والاستكبار والاستهتار بحق الشعوب المطالبة بالحرية.
فاذا استطاع بوتين ان يقصف ويدمر سوريا، دون أي اعتراض دولي، فمن الممكن ان يقوم ترمب بالمثل وان يفرض على الفلسطينيين، حكماً ذاتياً ودفن مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة. وان يقف مجلس الامن الدولي امام المجزرة الرهيبة في غوطة دمشق الشرقية، دون ان يتدخل لوضع حد لهذا الانتهاك السافر، بحق المدنيين العزل، فلماذا ننتظر منه ان يتدخل لصالح الفلسطينيين، الذين يعيشون تحت الاحتلال منذ اكثر من خمسون عاما؟
ان صمت السلطة الوطنية الفلسطينية وحركة حماس، امام ما يحدث في سوريا، ينزع عنهما المصداقية بتهديدهم التوجه الى محكمة جرائم الحرب في جنيف، فليس من المعقول، ان تطالب بمحاكمة حكام اسرائيل على الجرائم ضد المدنيين الفلسطينين ، ولا تطالب اخلاقيا او اعلامياً بمحاكمة بشار الاسد على جرائمة ضد المدنيين السوريين، التي تعتبر اكبر مجازر وجرائم القرن.
ان حزب دعم، ومن منطلق دعمه لحقوق الشعب الفلسطيني، ومعارضته للاحتلال، ونظام الابرتهايد، يقف الى جانب الشعب السوري، والقوى الديمقراطية، التي بادرت الى الثورة بشعار “حرية ودمقراطية”، ويطالب كل القوى الاجنبية، امريكا وروسيا، ايران، تركية واسرائيل، قطر والسعودية، ” ارفعوا أيديكم عن الشعب السوري”، انسحبوا فورا عن الارض السورية، اتركوا للسورين تقرير مصيرهم وحدهم، دون تدخل خارجي، ليس لمصلحة سوريا فقط، بل لمصلحة كل جيرانها دون استثناء، وكل شعوب المنطقة، فالحرية لا تتجزأ، كما الجرائم لا تتجزأ. ان البديل الذين تشجعونه هو استمرار الحرب، التي خرجت عن نطاق سورية، واصبحت حرب اقليمية بل وعالمية بين كل القوى المتناحرة على ارض سورية.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.