المظاهرات تعم البلاد من شمالها حتى جنوبها، لجنة المتابعة تعلن الاضراب العام والطلاب يتغيبون عن المدارس، اعضاء الكنيست العرب يحتجون ويتغيبون عن جلسة الكنيست الأولى التي عقدت بعد الانتخابات ويشاركون في جنازة ضحايا حوادث العنف الاخيرة في مجد الكروم. المطلب كان وما زال “بان تتدخل الشرطة من اجل جمع السلاح” ووزير الامن الداخلي يعلن الحرب على العنف الذي يعتبره ارهابا.
ويبقى السؤال: وماذا بعد؟ والجواب بسيط، لن يتغير شيئا وستبقى الامور على ما هي عليه، لأن جميعهم، من اولهم حتى اخرهم يعرفون الحقيقة ولكن يتسترون وراء “الشرطة” التي اصبحت المتهم الاول والاخير للكارثة اليومية التي يعيشها المجتمع العربي.
لكشف الحقيقة قررت ان اتحرّى حول ما يحدث محاولا الكشف عن مصدر المشكلة ولأجل هذا الغرض لجأت لمناقشة الموضوع مع بعض الاصدقاء والزملاء من المجتمع العربي. ولأتوصل الى نتيجة وربما الى الكشف عمن هو المسؤول الحقيقي عن العنف المستشري. في البداية سأكشف وبكل صراحة بأنه لا ثقة لدي بأعضاء الكنيست العرب، او في اعضاء لجنة المتابعة، وفي الوزير الموقر، وطبعا ولا في الشرطة. فاعتمد هنا على شهادات حية ممن ذكرتهم. الاول يشهد بانه كان يلعب مع ابنه الصغير على شرفة منزله عندما سمع دوي اطلاق النار وفورا دخل الى البيت. شيء عادي، روتيني، لا سبب حتى لذكره.
زميلة ثانية من المثلث تروي انه قبل عدة ايام سمعت هي ايضا صوت اطلاق نار بجانب بيتها وذلك عندما كان ابنها يجلس مع اصحابه على سطح البيت، حين اقترب مسلحون من البيت المجاور واطلقوا عليه النار لسبب غير معروف ولكن عندما اكتشف المسلحون ان ابن زميلتي وأصدقائه يراقبون ما يحدث وجهوا السلاح تجاههم فانبطح الاولاد على السطح فورا ومن بعده سمعوا اطلاق النار على البيت المجاور. الحرب في البلد دائرة منذ أيام والاطراف المتنازعة معروفة وسبب النزاع معروف أيضا. لا اسرار في البلد كون الجميع يعرفون بعضهم البعض. سألت زميلتي ماذا فعلت؟ والجواب كان فوري: في البداية انصدمت ومن بعده اكملت يومي كالعادة. سألتها: لماذا لم تتوجهين للمجلس المحلي؟ ردت: لأن الجميع يعرف ان العائلة التي تطلق النار هي من مؤيدي رئيس المجلس وهم من اوصلوه الى الرئاسة. ولماذا لم تتوجهين للشرطة؟ لأنه في المرات التي قدمت شكوى للشرطة خرجت دون نتيجة. بالإضافة الى انه من يضمن لي ان الشرطة لا تكشف للمجرمين انه انا من قدمت الشكوى، الامر الذي سيعرضني للخطر؟
هذه القصة ولا جديد فيها لمن كلف نفسه عناء قراءة هذا المقال. هذه حالة عامة ولذلك زميلتي لم تشارك في المظاهرات ولم تنصع لنداء لجنة المتابعة وهي تعرف تماما بان من يبحث عن المسؤول الاول عن انتشار وباء العنف كان عليه التوجه الى العنوان الصحيح وهو مبنى السلطة المحلية، بدل تنظيم المظاهرات على شارع رقم 65.
اتصلت بزميل اخر لاستفسر عن احداث العنف الذي شهدتها قريته مؤخرا، ففاجئني قائلا: “انت تعرف ابو الاولاد الذين قتلوا وتعرف القاتل بشكل شخصي”. اندهشت كم هو الموضوع قريب مني علما انني ابتعدت منذ زمن عن القرية وتفاصيلها. نعم الخلفية معروفة، نزاع على تجارة سموم، او سلاح او اي سبب تافه اخر. وعندما أخبرت زميلي عما تحدثت عنه زميلتي من المثلث رد هو الاخر بقصة تخص أحد اقربائه الذي تم إطلاق النار عليه في ساحة بيته. هذا الشاب لا علاقة له بالإجرام اطلاقا وهو معروف بالبلد بدماثة اخلاقه وقد تدخل لإصلاح ذات البين بين طرفين متنازعين، بين جماعة من قريته وجماعة من قرية اخرى الامر الذي انتهى بنتيجة لم ترق لاحد الطرفين فقام بالهجوم عليه واصابته برجليه. الشاب لم يتوجه للشرطة طبعا، بل صور فيديو قصير وأعلن صراحة بانه لا يريد الاخذ بالثأر من احد وبهذا انتهت القضية حتى اشعار اخر.
وكل من يتابع المشهد يعرف ما لا نهاية من القصص ولا فائدة لذكر المزيد منها. فلا جديد لمن يعيش كل يوم في ظل احداث العنف التي اصبحت موضوع الساعة في كل بيت عربي. ومع ذلك ما يمكن استنتاجه من هذه الروايات هو شيء بسيط: الاجرام يحظى بحصانة داخلية تبدأ بالسلطة المحلية وتنتهي باخر عائلة في البلد. والحساب ايضا بسيط، نحن نعرف ان نسبة المشاركة في الانتخابات المحلية تفوق ال 90%، ما يعني ان الاحياء والاموات يشاركون دون استثناء. نحن نعرف بان مجموعات الاجرام تتوزع بالتساوي بين كل العائلات، انتشار السلاح لا يقفز عن اي بلد او حتى عن اي من العائلات الكبرى. ونعرف ايضا الكثير من الحالات التي تختار فيها العائلة التي تنتمي لها الميليشيا المسلحة ممثلها “المثقف”، المهندس او المحامي او الدكتور ليكون مرشحها لرئاسة السلطة المحلية، ونحن نعرف ايضا بان المجلس البلدي يتشكل دائما من ائتلاف العائلات. فاذا قرر رئيس السلطة المحلية ان يعلن الحرب الضروس ضد الاجرام النتيجة ستكون حرب اهلية، عائلة ضد عائلة. فماذا الحل اذن؟ اتهام الشرطة او الوزير او الشين بيت او الموساد، المهم الا تتهم رئيس السلطة المحلية والعائلات الحاكمة.
والشيء بالشيء يذكر اذ لا يمكن عدم الاشارة الى قضايا العنف الذي هو ليس اجراما، بل مجرد ارهاب على الفكر الحر الذي يرافق بل يمنح هو ايضا مبررا للعنف من قبل المجموعات الاجرامية. على سبيل المثال ام الفحم التي خرجت الى شارع رقم 65 واغلقته، بمنظر لا بد من تسميته بمظاهرة النفاق. فام الفحم اثبتت انها لا تعرف ما هو التسامح والتقبل، والعنف اخذ كفايته منها. فقصة تامر نفار وتعامل البلدية والمجلس البلدي مع الموضوع تدل على تواطؤ العائلات والسلطة المحلية مع العنف عندما توحدوا بهدف منع امسية نفار في المركز الجماهيري لسبب تافه ومعروف وهو الحجة الممجوجة “المس بالعادات والتقاليد”.
وكانت جمعية حقوق المواطن الاسرائيلية قد تدخلت وقدمت شكوى للمحكمة التي قضت بعدم احقية البلدية في التدخل في المضامين الفنية لما يتم تقديمه من عروض في المركز الجماهيري وان عليها السماح بإقامة الامسية. ولكن القانون الاسرائيلي الذي تطالب بلدية ام الفحم الوزير بتطبيقه ضد حوادث الاجرام غير ساري المفعول في ام الفحم في حالة تامر نفار. فقد تدخلت القوى السياسية وتوصلت مع تامر نفار ومع البلدية الى حل وسط تنازل نفار بموجبه عن العرض الغنائي بحجة انه لا يريد ان يقدم عرضا تحت حماية الشرطة.
لكن لماذا يحتاج العرض لحماية الشرطة؟ فكما يبدو خوفا من استعمال العنف ضد العرض. يجب علينا ان نسأل: من يهدد العرض الفني باستعمال العنف ضده؟ الجواب واضح: العنف يمارس من قبل هؤلاء الذين قرر ممثليهم في البلدية منع الامسية. القضية انتهت بصورة فوتوغرافية تجمع تامر نفار، رئيس البلدية ورئيس احدى جمعيات المجتمع المدني العربية التي تدخلت لإصلاح ذات البين.
نصف مليون ناخب عربي منحوا الثقة للقائمة المشتركة التي حظيت ب- 13 مقعد فقط قبل أسبوعين. النشوة كانت كبيرة، وفسر المراقبون وقيادة القائمة الإنجاز الانتخابي بكون المجتمع العربي ناضجا ووطنيا ويعرف ان يحافظ على كرامته. غير انه بعد يوم واحد فقط من الإعلان عن “النتائج التاريخية” تبين انه لا شيء تغير إذ بقي العنف وسيبقى حتى لو اضطر نتانياهو على الرحيل. ان العنف موجود داخل كل بيت، هو موجود في المدرسة، وهو موجود في العائلة الكبيرة وله ممثلين في السلطة المحلية.
اعضاء الكنيست من القائمة العربية المشتركة يعرفون الحقيقة ولكنهم يتسترون عليها. التصويت للقائمة المشتركة هو مثابة التسليم بالأمر الواقع لان القوائم العربية الاربع تتماشى مع هذا الواقع وتتعايش معه. التقاسم الوظيفي بين سلطات محلية عائلية من ناحية وقائمة عربية مبنية على الحفاظ على الكراسي هو ضمان لاستمرار الوضع على ما هو عليه.
لذلك نقول بصوت واضح: ليس هناك حلا سحريا طالما بقيت العائلية مسيطرة على المجتمع العربي وتبقى الأحزاب العربية والمؤسسات تقبل بهذه التركيبة العقيمة. على المجتمع العربي ان يتحرر من العائلية ومن العادات والتقاليد، ومن التعصب الديني الذي يقمع المرأة والابداع الثقافي، كشرط مسبق للقضاء على العنف وعلى الاجرام. لا احد يمكنه ان ينقذ المجتمع العربي سوى هؤلاء الشرفاء المستعدين لتحدي العائلية، الشيوخ، وكل من يفرض على المجتمع قوانين واعراف لا علاقة لها بالقانون والمجتمع العصري. الف مظاهرة واضراب لن تنفع ما دام الجمهور مستمر في دعم قيادات لا تعي ما معنى القيادة وتحاول بدل ذلك عبثا تغطية الشمس بالغربال.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.