كان اجتماع حزب دعم يوم السبت في ٢٣/٣ أي قبل ١٦ يوما من موعد الإنتخابات الإسرائيلية اجتماعا توضيحيا وتحفيزيا. الكلمات موجزة وقوية والأفكار غنية. اجتمع الناشطون ليتحدثوا عن مخاطر تنامي الميول الفاشية ضد الفلسطينيين في المجتمع الإسرائيلي وكذلك عن مظاهر الإنغلاق القومي وضغوط المجتمع التقليدي في الشارع العربي الفلسطيني وإجمعوا على القول: نعم لدولة واحدة للشعبين الإسرائيلي والفلسطيني، نعم للاقتصاد الأخضر، نعم للتغيير الاجتماعي والسياسي، نعم لفتح نافذة لحل بديل.
الحل البديل هو رزمة افكار، لا ينفصل بعضها عن بعض. إن فاز الحزب بمقعد في الكنيست، لن تكون الكنيست منبرا للخطابة وترديد الشعارات والانغماس في المعارك الكلامية. سيعمل ممثلو الحزب على جعل التغيير الاجتماعي والسياسي ممكنا على الأرض، سيحشدون التأييد للدولة الواحدة، لأنهم يرون في مشروع الدولتين حلا من شأنه تكريس الإنغلاق القومي ودفع الإسرائيليين الى القومية ومن الطرف الفلسطيني تشجيع نفوذ القوة الرجعية، اذا كانت قطر او السعودية، يعني استمرار حكم محمود عباس وحكم حماس.
جاء حزب دعم ليتحدث عن دولة واحدة، متحديا كل الأفكار التقليدية، والعشائرية والقبلية والقومية الشوفينية والاحتلال. جاء ليقول نريد نظاما وقانونا واحدا للجميع، للفلسطيني وللإسرائيلي، بعيدا عن التحريض المنهجي والتحالفات اليمينية الداخلية والخارجية ضد الفلسطينيين وبعيدا كذلك عن الموقف الذي يرى بكل الإسرائيليين عدوا.
الناشط يؤاف غال تامير (37 عام)، المرشح الأول في قائمة الحزب القى الكلمة الأولى في الاجتماع وتحدث عن التصعيد العنصري اليميني التي تتمثل في الدعاية التي قامت بها وزيرة العدل السيدة أييليت شاكيد والتي اشهرت به عطر مكتوب عليه كلمة “Facism” (الفاشية) بما يمنح الشرعية وحتى الجذابية للتيار المجرم العنصري في صفوف الإسرائيليين. وقال تامير متحدثا عن أقطاب اليمين العنصري وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو: “إنهم يفتخرون بالفاشية والتحريض ضد العرب لكن ذلك يعبر عن ضعفهم ومن شأنه إثارة المعارضة ليس فقط في الجانب الفلسطيني الذي لا يمكن ان يوافق على العبودية بل أيضا في الراي العام الإسرائيلي والعالمي.”
وأردف تامير قائلا: “لا نريد أن ندخل الكنيست من أجل الكراسي والمناكفات الحزبية. نحن لدينا خطة وبرنامج. سنسعى لنشرها، سنحشد التأييد لها، على أوسع نطاق. سنخوض كفاحا شرسا ضد الفاشية، سنستمر في عمل المشاريع المتنوعة والمرتبطة بالاقتصاد الأخضر والتكنولوجيا وتمكين المرأة.”
في الجانب الآخر، قدمت وفاء طيارة نموذجا مماثلا من خلال عملها في مشاريع تمكين المرأة وتأهيلها للعمل في مشاريع زراعية وصحية، منذ انضمامها للحزب قبل ثلاثة عشر عاما، وهي تتقدم الصفوف الأولى للحزب في الترويج لسياسته التنموية وتجنيد النساء للعمل وقد تحدثت في كلمتها عن مبادئ الحزب الرئيسية. تقول وفاء طيارة، وهي ناشطة نسائية ونقابية بأنها وجدت ضالتها في حزب دعم المناهض للاحتلال، الحزب الذي لا يميز بين أنصاره الفلسطينيين والإسرائيليين، ولا ينحاز للرجل ضد المرأة، بل يفتح الأفق أمامها لتعمل وتكون مسؤولة عن اسرتها.
تقول طيارة (45 عام) وهي من قرية كفر قرع: “نحن النساء نريد أن نتقدم في الحياة، كنا ننظم المظاهرات، لم يكن هذا الأمر سهلا. تعرفت على مجموعة من الإسرائيليين الذين يتحدثون بقوة ضد الاحتلال وضرورة إنهائه فورا. وقمت بتجنيد النساء وتأهيلهن للعمل، الآن لدينا ٥٠٠٠ امرأة يعملن في مختلف المجالات. نحن نساعدهن للعمل والحصول على كامل حقوقهن.
كان هدف الاجتماع هو بث روح الحماسة في أنصار الحزب، كما يقول بعض المنظمين، خصوصا أن قيادة الحزب تعتمد روح نضالية ذات نفس طويل وترى الأمور في سياق تاريخي ولا يخيفها خطر الفشل في اجتياز نسبة الحسم. وما يعبر عن هذا التصور الثوري الثابت هي تلك الصورة الجماعية الرمزية التي التقطها الناشط ايريز واغنر للمشاركين في الاجتماع. إذ طلب واغنر من المشاركين أن يدفعوا الجدار عند خروجهم من القاعة والتقط صورة ترمز إلى الهدف الذي يسعى الحزب لتحقيقه، وهو تحطيم جدار العنصرية الفاصل بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي.
أهداف كبيرة يسعى الحزب لتحقيقها، وكان الاجتماع عبارة عن محاولة لبث روح النضال والتمسك بالأهداف لدى الناشطين وهذا ما قاله الأمين العام للحزب يعقوب بن افرات، ابن مدينة حيفا، في كلمته مؤكدا أن الإنتخابات ليست هدفا للحزب، لكنها وسيلة لطرح الأفكار على الملأ. وقد اكد بن افرات “كل شيء فعلناه كان صعبا. صحيح انه هناك صعوبة في تحشيد الدعم الكافي للدخول الى الكنيست، لكن عندما بدأنا بالدفاع عن العمال الفلسطينيين وتنظيم قالوا لنا بانها مهما مستحيلة وعندما بدأنا في مشروع تشجيع النساء العربيات للخروج الى العمل كان ذلك يبدو مستحيلا. كما قالوا لنا ان مشروع التصدير لزيت الزيتون الى الخارج صعبا ولكننا تغلبنا على كل الصعوبات وفعلنا كل ذلك، ولم يعد امامنا أي شيء صعبا ولا مستحيلا.”
الناشطة الشبابية سهراب مصاروة من باقة الغربية (30 عام) تحدثت أيضا في الاجتماع وفسرت أسباب تأييدها لحزب دعم بكونه منفتحا على تطوير برامج جديدة ومهتم في تنمية المبادرات المحلية. سهراب، الخبيرة في الزراعة المائية تقوم بتدريب عشر نساء ليكسبن رزقهن من الزراعة باستخدام جهاز تكنولوجي خاص يروي المزروعات دون حاجة للتربة، وهذا يعني تمكين النساء من استخدام أسطح المنازل في الزراعة. وتبنى حزب دعم فكرتها.
نموذج آخر لناشط شبابي كان المعلم من القدس، غاي ألوني، من مدرسة يدا بيد ثنائية اللغة بالقدس الغربية والتي يتعلم بها طلاب عرب ويهود بصفوف مشتركة ومع معلمين عرب ويهود بتساو. وتحدث ألوني في الاجتماع عن انه قد طلب من طلابه الفلسطينيين والإسرائيليين في الصف التاسع أن يقترحوا حلولا للصراع الدائر، وأيد ٤٠ منهم العيش في دولة ديمقراطية واحدة. واقترحوا حلولا للمعوقات.
الناشطة سامية ناصر من الناصرة (53 عام) تحدثت أيضا في الاجتماع وركزت في كلمتها على كون حزب دعم القوة البارزة على الساحة المحلية التي تقف بشكل واضح مع طموحات الشباب في العالم العربي ومع رياح الربيع العربي.
يؤاف وسامية ووفاء وغاي وسهراب وايرز هم نموذج لكوادر شابة ثورية تعمل في الميدان في الشارع العربي وفي الشارع اليهودي لبناء القاعدة لمجتمع جديد متساو يجمع أبناء الشعبين.
وضوح الرؤيا السياسية هو العنصر الأساسي في فكرة حزب دعم، ولا توجد رؤيا أخرى أكثر عملية وإنسانية من هذه الرؤيا: وهي وصول الفلسطينيين والإسرائيليين إلى حقيقة أنه لا مناص من العيش المشترك في ظل دولة ديمقراطية واحدة، ودستور واحد، واقتصاد أخضر تشاركي.
تصبح هذه الرؤيا أكثر جاذبية، بعد مرور خمسة عقود من تجريب تطبيق حل الدولتين وكانت نتيجته ترسيخ نظام عنصري مفروض بالقوة العسكرية على الضفة الغربية وقطاع غزة. نظام يتيح للفاشية أن تبطش بالشعب الفلسطيني وتزيف وعي الشعب الإسرائيلي بل تلغي إنسانيته وديمقراطيته.
تطرح الأسئلة الناشئة عن فشل حل الدولتين تحديات جديدة أمام اليسار الإسرائيلي، والأحزاب العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية. فعلى هذه القوى أن تجيب على سؤال كبير: ما هو البديل؟ ويبدو أن اليسار الإسرائيلي فقد البوصلة، وفقدت السلطة الفلسطينية ومن خلفها منظمة التحرير أي أمل في اقناع أية حكومة إسرائيلية بالعودة إلى طاولة المفاوضات، وأثبتت السلطة منذ ربع قرن عجزها على انشاء نواة دولة فلسطينية تتمتع بسيادة القانون، وانشغلت الأحزاب العربية في نزاع مقيت على المنصب والكرسي.
يعترف أنصار دعم بأنهم يحاربون أمواجا عالية في محيط صاخب، نشطاء الحزب هم عبارة عن مجموعات صغيرة من الرجال والنساء. فلسطينيون واسرائيليون يمتلكون رؤيا استراتيجية وجرأة على طرحها، وهم يحاربون بهدوء وبلا ضجيج اعلامي، وبعيدا عن مستنقعات اليمين العنصري، وتخبط ما تبقى من اليسار الاسرائيلي، وتشتت الأحزاب العربية وانغلاق الأفق لديها، بعيدا عن سلطة فلسطينية ضعيفة وعاجزة ويائسة، سلطة قبلت بأن يقتصر دورها على توفير الأمن للاحتلال بقمع الشعب الفلسطيني. يحارب هؤلاء النشطاء سلطة حماس المتحكمة بمصير مليوني فلسطيني في قطاع غزة، وهم أي أنصار الحزب مع الحراك الشعبي الغزي ضد الغلاء وارتفاع الأسعار والحصار الاسرائيلي، ويؤيدون الحراك في الجزائر والسودان، ويقفون عالميا ضد الفاشيين في جميع أنحاء العالم.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.