أوساط قريبة من رئيس حزب العمل وقائمة المعسكر الصهيوني الجديد، آفي جباي، حسمت الأمر: عضو الكنيست زهير بهلول لن يكون في قائمة العمل في الكنيست القادمة. جاءت هذه التصريحات بعد إعلان بهلول أنه لا ينوي المشاركة في جلسة الكنيست المخصصة لإحياء ذكرى مرور مئة عام على وعد بلفور. زعيم العمل الجديد آفي جباي، حدد لنفسه هدف وهو الفوز بعدد الأصوات الكافي في الإنتخابات القادمة حتى يستطيع أن يمنع من نتنياهو تشكيل الحكومة الجديدة. ولكن من أجل تحقيق هذا الهدف على حزبه وتحالف “المعسكر الصهيوني” أن يخلقوا المناخ السياسي الصحيح الذي سيمكنه من الحصول على 27 مقعد، مما يعني زيادة ثلاثة مقاعد إضافية لما حصل المعسكر الصهيوني في الإنتخابات الأخيرة. وبغض النظر عن حساباته الإنتخابية فالشيء المؤكد هو أن العرب أصبحوا خارج هذه الحسابات، إذ يعتبر الإقتراب منهم عاملا قد يؤدي إلى إبعاد الأصوات عن المعسكر الصهيوني لصالح حزب “يوجد مستقبل” برئاسة يائير لابيد.
ما يريده آفي جباي هو تموضع المعسكر الصهيوني وحزب العمل في المركز وتوجيهه نحو اليمين ليبقى موقع اليسار فارغا. أفضل طريقة لإظهار هذا الموقف هي من خلال الإبتعاد عن العرب كما فعل جباي عندما صرح بأن القائمة المشتركة لن تكون شريكة في حكومته في حالة تمكن من تشكيلها. فكان من الممكن أن يُفهم بأن زعيم العمل جباي يتحّفظ من الإئتلاف مع حزب التجمع بسبب موقفه القومي المتطرف، أو مع الحركة الإسلامية بسبب نزعتها الأصولية، إلّا أن إقصاء زهير بهلول من قائمة حزبه يعني أنه ليست المواقف السياسية هي التي تحكم توجهات آفي جباي بل الأصل القومي العربي هو الذي يفصل في الأمر. فلا شك إذاً بأننا أمام ظاهرة عنصرية، ومحاولة لمنافسة اليمين على من يكره العرب أكثر. ولم يكتف جباي بتعبير موقفه العنصري تجاه العرب لكسب تعاطف القاعدة الإنتخابية اليمينية، بل صرح أيضًا بأنه لا ينوي إزالة أي مستوطنة حتى إذا توصل إلى حل سلمي مع الفلسطينيين.
آفي جباي لم يكن عضواً في حزب العمل إلا منذ فترة قريبة، إذ أنه قد عُين كوزير بعد الإنتخابات الأخيرة من قبل حزب “كلنا” اليميني برئاسة موشيه كحلون وزير المالية الحالي. وقد شغل جباي منصب وزيرٍ للبيئة في الحكومة الحالية إلى أن استقال منها بسبب خلافات حول صفقة استخراج الغاز التي منحت للمستثمرين إمتيازات مالية كبيرة على حساب الخزانة العامة. في خلفية إستقالة جباي كانت أيضا معارضته لتبديل وزير الأمن يعالون بالشخصية اليمينية المتطرفة ليبرمان. وبعد فترة وجيزة من تركه للحكومة أعلن جباي عن انتقاله إلى حزب العمل وفيما بعد قام بترشيح نفسه لمنصب رئاسة الحزب. وقد كان فوزه على إسحاق هرتسوغ وعمير بيرتس في الإنتخابات الداخلية لرئاسة حزب العمل في شهر تموز الماضي دليلاً على أن بعض الأعضاء قد أرادوا أن يحدثوا انقلابًا سياسيًا بعيداً عن الرموز التقليدية للحزب، الذين يحوم همهم الأساسي حول النزاع مع الفلسطينيين، وينتقدون حكومة الليكود بسبب رفضها لفكرة الحل على أساس الدولتين.
لم يكن إذاً من قبيل الصدفة قرارُ رئيسة حزب ميريتس زهافا غلؤون الإستقالة من الكنيست بالتحديد بعد فوز جباي برئاسة حزب العمل، الأمر الذي يلعب لصالح عضو الكنيست إيلان غيلؤون المعروف باهتمامه بقضايا اجتماعية. إن زهافا غلؤون معروفة بموقفها ضد الإحتلال وإنتقاداتها الشديدة لحكومة اليمين. وقد أسست زهافا غلؤون منظمة “بيتسيلم” التي تقوم بفضح جرائم الإحتلال وخرقه لحقوق الإنسان الفلسطيني في الضفة الغربية، مما جلب نقداً شديداً بل وملاحقة من قبل الحكومة التي تتهمها بالخيانة والمس بالجنود الإسرائيليين الذين تتم ملاحقتهم في المحاكم الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب إستنادا إلى دلائل تقدمها بيتسيلم كان آخرها قتل عبد الفتاح شريف في الخليل على ايدي الجندي إليؤور عزاريا.
وقد وصل رئيس حزب العمل جباي وزعيم حزب ميريتس غيلؤون إلى نفس الإستنتاج : إذا أرادوا أن ينافسوا نتنياهو فعليهما أن يتركا الموضوع الإسرائيلي الفلسطيني وأن يتوجها إلى قاعدة الليكود التي سمتها الأساسية هي كونها من أصل شرقي، تسكن في الأحياء الشعبية وتنتمي إلى الطبقة العاملة وأصحاب المشاريع الصغيرة. هؤلاء معروفون بكونهم محافظون، متدينون ومعادون للعرب. وأفضل طريقة للتواصل معهم هي الحديث عن معاناتهم الإقتصادية كونهم ضحايا النظام النيوليبرالي الإسرائيلي الذي خلق فجوة كبيرة جدًا بين الغني والفقير. وبالتالي تصبح المنافسة بين اليمين واليسار ليست على من سيتمكن من إحلال السلام بل على من هو الأقرب إلى معاناة الطبقات المسحوقة اليهودية ويتمكن بالتالي من جذب أصواتهم. وبغض النظر عن جدوى هذا التوجه وإمكانية جلب الأصوات فالنتيجة واحدة، والموضوع الفلسطيني اختفى تمامًا عن الساحة السياسية الإسرائيلية.
وهنا لا بد أن نوجّه أنظارنا إلى الغائب الحاضر في هذه المعادلة. فكيف من الممكن تفسير كون مصير خمسة مليون فلسطيني يعيشون تحت الإحتلال لا يحمل أي وزن على الساحة السياسية الإسرائيلية. الجواب على ذلك بسيط وموجع في آن- أن الفلسطينيين قد سلموا بالأمر الواقع والسلطة الفلسطينية بشقيها برام الله وبغزة قد وصلتا إلى تسوية مع الإحتلال حسب المعايير الإسرائيلية بما يدعى السلام الإقتصادي. ورغم التصريحات النارية ضد الإحتلال والعدو الصهيوني إلّا أنه وعلى أرض الواقع هنالك اتفاقٌ رباعيٌّ يشمل إسرائيل، مصر، فتح وحماس يضمن للقائمين عليه مصالحهم دون التطرق إلى مصير المناطق المحتلة.
رغم الموقف المعلن من قبل مجلس الوزراء المصغر الإسرائيلي القاضي بالإمتناع عن التفاوض مع السلطة الفلسطينية على خلفية الإتفاق الأخير بين فتح وحماس برعاية مصرية، إلا أن إسرائيل ستتعامل مع الحكومة الفلسطينية في حالة تسلمها المعابر بين غزة واسرائيل، بل وترى بشكل إيجابي ما تم الإتفاق عليه في القاهرة بين حكومتي رام الله وغزة. الدليل على ذلك هو الزيارة التي قام بها (الأحد 29/10) وزير المالية الإسرائيلي موشي كحلون إلى رام الله حيث التقى برئيس الحكومة الفلسطينية السيد رامي الحمد الله وبحضور المبعوث الامريكي جيسون غرينبلات، الأمر الذي يؤكد إن غياب المفاوضات حول السلام لا يمنع تطبيق السلام الإقتصادي. إن التعايش السلمي بين سلطتي رام الله وغزة وبين الحكومة الإسرائيلية يدعم بل ويقوي من موقف اليمين الإسرائيلي الذي يزعم بأنه قد استطاع فرض السلام دون أن يمنح الفلسطينيين حقوقهم القومية والمدنية.
إن تصرف حكومة اليمين بغطاء السلام الإقتصادي وتوجه حزب العمل وميريتس نحو اليمين يثيران النفور والإشمئزاز لدى شريحة كبيرة جدًا من الجمهور الإسرائيلي الذي ينظر بقلق إلى المستقبل. إن السلام الاقتصادي لا يمنع الإستيطان من التوسع، ويفرض على الشباب الإسرائيلي أن يستمروا بالخدمة العسكرية في المناطق المحتلة من أجل حماية المستوطنين مما يخلق الإحتكاك المستمر مع الفلسطينيين المدنيين الذين يعانون من الحواجز التي تشل حركتهم الحرة، ويعيشون في سجن كبير وراء جدار الفصل. كما وأن الجمهور الليبرالي في إسرائيل يدرك أن السلام الإقتصادي يفيد السلطة الفلسطينية وحماس ولكن لا يمكن أن يصمد لكونه يتجاهل تمامًا أبسط حاجيات الشعب الفلسطيني ويمس في كرامته.
ليس هذا فحسب، أضف إلى ذلك بأن السلام الإقتصادي يغذّي الميول اليمينية المتطرفة التي تريد أن تحتل الحيز العام وتلاحق كل من ينتقد ويعارض سياسة الحكومة. فنرى في المقابل أن هنالك شريحة واسعة من الإسرائيليين تقاوم محاولات الحكومة لتضييق الخناق على المبدعين الذي يطرحون من خلال أعمالهم الفنية الإحتلال وتفاعلاته المضرّة، ويعارضون محاولات وزير التربية إدخال مضامين دينية وعنصرية إلى مناهج التعليم، ويعارضون الخطاب العنصري تجاه العرب والمحاولات الحثيثة من قبل اليمين المتطرف للقضاء على ما تبقى من الديمقراطية والتعددية، لتصبح إسرائيل دولة دينية تفرض رأياً واحداً على الجميع. إن ما قام به حزب العمل وميريتس من تغيير نحو اليمين لن يجلب لهما نتيجة في صناديق الإقتراع، إذ من المرجح أن يبقى العنصريون مخلصين لليمين. إلا أنه من المقرر أن يخلق هذا التحول في حزبي اليسار الإسرائيلي الأساسيين فراغًا سياسياً كبيراً لا بد من ملئه من قبل القوى السياسية الجذرية من كلا الطرفين – إسرائيليين وفلسطينيين -المعنيين بمستقبل مشترك مبني على أسس الديمقراطية والإحترام المتبادل.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.