صرخة نظرة فاطمة أبو رومي المدوّية

“بين الجمال والألم”، معرض فردي لفاطمة أبو رومي في متحف الفنّ الإسلامي في القدس، أمين المعرض فريد أبو شقرة، صيف 2012-2013.

الضوء الخافت في متحف الفنّ الإسلامي ونغمات الموسيقى الصادرة من أعمال الڤيديو- آرت تضيف جمالاً بالغًا على معرض فاطمة أبو رومي، وتساعد الناظر في التركيز والتمرّس بالجمال والألم. نظرة ثاقبة ومشحونة تنعكس من الرسومات الذاتية الكثيرة للفنّانة، وتتابع الناظرين بصمت مدوٍّ. الصمت هو أقوى صرخة، كما ينعكس في العمل الفنّي “صورة ذاتية بالنقاب”. لن ينجح أيّ ستار- سواءً كان جلبابًا أو حجابًا- في إخفاء القصّة التي ترويها العينان الصارختان- قصّة الكفاح ضدّ التحكّم والقمع وكمّ أفواه النساء من قِبل الرجال؛ الصراع بين الستار والإظهار، بين الإخفاء والرغبة في الرؤية بكلّ ثمن- وكأنّما تقول “أنا أرى فأنا موجودة”.

 لا تكتفي فاطمة أبو رومي بالتمرّد ضدّ القمع، ونراها تسير إلى الأمام وتتولّى القيادة. تعلن فاطمة عن حقّها في الحرّية والاستقلالية. يد نسائية تمسك باز صيد في العمل الفنّي “باز مروَّض”- ذلك الباز الذي يرمز من جهة إلى الرجولة والمكانة الطبقية، وهو في يد امرأة، ومن جهة أخرى ليست المرأة هي المروَّضة والواقعة تحت حكم الرجل وإنّما بالعكس. يظهر عنصر تبدّل الأدوار في أعمال فنّية أخرى، تصوّر فيها الرجل (والدها في أغلب الأحيان) في أوضاع “نسائية” (صورة ذاتية لرجل”، 2008؛ “ظلّ رجل مع طرحة”، 2011). في قسم كبير من أعمالها الفنّية الزيتية، تدمج أبو رومي خرزات ملوّنة كجزء من محاولتها لإضفاء جمال ونظرة “نسائية” على هذه الأعمال. يظهر هذا التناقض أيضًا في العمل “تاج الأشواك” الذي يجمع بين الألوان اللطيفة والرسالة اللاذعة.

هذا المعرض ليس معرضًا اعتياديًّا، وينبع تميّزه من عدّة أسباب. أوّلاً، يُشرك المعرض الجمهور في النقد الاجتماعي الشديد اللهجة تجاه وضع المرأة العربية الشابّة في إسرائيل. إنّها خطوة نادرة وجريئة من جانب الفنّانة، التي توجّه نظرة ناقدة، ليس فقط نحو الخارج، أي الدولة وسياسة الإهمال والتمييز والعنصرية والاحتلال، بل نحو الداخل أيضًا، المجتمع العربي نفسه.

في المجتمع العربي الأبوي، كلّ تغريد خارج السرب، وبخاصّة عندما يصدر عن امرأة فنّانة ومبدعة، يشكّل تمرّدًا ضدّ فوقية الرجل وتوقّعات الحمولة. من هذه الناحية، تنضمّ أبو رومي إلى مجموعة آخذة في الازدياد لفنّانات فلسطينيات تدفعن ثمنًا باهظًا على الدوام- ثمنًا شخصيًّا وعائليًّا واقتصاديًّا- بسبب خياراتهنّ الذاتية. ترفض أبو رومي المسار الحياتي المعروف مسبقًا والذي يقضي بأنّ على الشابّة البالغة أن تتزوّج بوساطة الخاطبة، مستسلمةً للضغوط الاجتماعية والعائلية، وأن تواصل العيش بالأنماط الحياتية المقبولة، دون أيّ استقلالية أو حقّ في تقرير مصيرها. تحتجّ أبو رومي على الضغوط التي تمارسها المؤسّسة الدينية على النساء، وعلى العنف الاجتماعي اليومي الذي يُمارس ضدّ

עמודים: 1 2 3 4

عن