صفقة القرن: الرفض اللفظي يغطي على نظام الابرتهايد

كشف جارد كوشنير، مسؤول البيت الابيض عن المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية، عن اوراق صفقة القرن الامريكية وهذا من خلال الإتفاق مع ملك البحرين على عقد ندوة إقتصادية في العاصمة البحرينية المنامة، اواخر الشهر القادم تحت عنوان ” من السلام الى الرفاهية”. ومن المفترض ان تكون هذه الندوة بمثابة نقطة إنطلاق لصفقة القرن التي بدأت ادارة ترامب بتنفيذها قبل عام عندما نقلت السفارة الأمريكية الى القدس وأمرت بإغلاق مكتب م.ت.ف في واشنطن وأغلقت القنصلية الأمريكية في شرقي المدينة، فيما أوقفت أيضا  المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية والتمويل لوكالة اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة. وبعد ان تم إقرار الجانب السياسي يتم طرح الجانب الإقتصادي من المنامة وذلك بالهدف المعلن ل”إستكمال عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية”.

السلطة الفلسطينية من طرفها ترفض المشاركة في هذه الندوة التي تهدف بالأساس لتطبيق صفقة القرن دون التفاوض حول المسائل السياسية العالقة والتي كانت من المفترض ان تكون في صلب المفاوضات حول الحل النهائي وهي القدس، المستوطنات واللاجئين. وقد اوضح صائب عريقات رئيس لجنة التفاوض الفلسطينية الأسباب وراء القرار الفلسطيني رفض المشاركة في مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز (الخميس 23/5) قال فيه انه لا يمكن الحديث عن السلام دون التطرق الى القضية الاساسية وهي إنهاء الإحتلال الإسرائيلي. ان التناقض بين ما يطالب به عريقات وما يقترحه كوشنير يشبه ما يسمى “حوار الطرشان”. فبينما يعتبر عريقات ما تقوم به اسرائيل إحتلالا، يرى جارد كوشنير ووزارة الخارجية الامريكية بالضفة الغربية والقدس وغزة كمناطق لن يتم تحديد وضعها القانوني إذ يبتعد المسؤولون في إدارة ترامب عن إستخدام كلمة “إحتلال”.

وإذ كان المطلب الفلسطيني التاريخي يقضي بالبدء في المفاوضات حول الحل السياسي كمقدمة للحل الاقتصادي فما تقوم به الادارة الامريكية يظهر بانها ترى الأمور من زاوية مختلفة تماما. حسب إدارة ترامب تم إزالة حاجزين أساسيين من المفاوضات على الحل النهائي عندما شطب الرئيس الأمريكي بقرارين متتاليين قضيتي القدس واللاجئين وازاحمها عن الطاولة، ولم تبق اية قضية لم يتم حلها بعد ان تم الإعتراف في القدس عاصمة لإسرائيل وقضية اللاجئين حلّت مع تجفيف المساعدات لوكالة الغوث اللاجئين. اما ومن اجل إزالة  كل شك قد قال جيسون غرينبلات وهو مندوب ترامب للشرق الاوسط بان صفقة القرن لا تضمن دولة فلسطينية بل تكرس الوضع الحالي الذي يمنح للسلطة الفلسطينية صلاحيات ادارية على منطقة “أ” في إطار حكم ذاتي. وقد وعد نتانياهو من خلال حملته الإنتخابية بضم المستوطنات الى إسرائيل كخطوة مكملة لصفقة القرن، بمعنى اخر ما تبلور على مدار 25 سنة منذ التوقيع على إتفاق أوسلو اصبح حلا ثابتا ونهائيا.

وكمقاول بناء ذو خبرة  يتعامل ترامب مع الفلسطينيين من منطلق رأسمالي بحت لا غير. فتكلفة صفقة القرن هي 60 مليار دولار ومن سيدفع هذا المبلغ لن تكون امريكا او اسرائيل بل السعودية. لا شك ان سعر الصفقة ليس غال مقارنة مع الارباح الموعودة. فترامب سيحظى بجائزة نوبل وفوائد سياسية، اسرائيل تتسلم المستوطنات وتضمن تعاونا امنيا بعيد المدى مع السلطة الفلسطينية ومحمد بن سلمان سيحظى بالغفران عن كل جرائمه تجاه الشعوب العربية وبالأخص اليمن وانتهاكاته المستمرة لحقوق الانسان داخل المملكة. ومن أجل إجبار السلطة الفلسطينية على الرضوخ لشروطه أغلق صنبور المال. اما ومن ناحيته قام نتانياهو بإحكام الحصار المالي على السلطة الفلسطينية بخصم جزء من أموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل بموجب إتفاق باريس لصالح السلطة وقد جاء القرار الإسرائيلي بحجة الرفض بتمويل المخصصات المقدمة لأسر الشهداء والمعتقلين الفلسطينيين.

وقد وضع صائب عريقات النقاط على الحروف عندما وصف في مقالة وبشكل دقيق مقاصد صفقة القرن قائلا: “جارد كوشنير، صهر السيد ترامب وأحد مهندسي صفقة القرن، قد قال بان الادارة لا تريد ان تذكر حل الدولتين. وهي لا تريد بالتأكيد ان تذكر البديل: دولة واحدة ديمقراطية مع حقوق متساوية لكل مواطنيها. اذن فإدارة ترامب لا تريد ان تتكلم عن حل الدولتين على اساس حدود 1967 او عن دولة واحدة ديمقراطية. وبغض النظر عن ذلك ما يتم بلورته على أرض الواقع هو دولة واحدة تسيطر بها إسرائيل عن كل شيء وتفرض بها نظامين مختلفين: الاول لليهود الاسرائيليين والثاني للفلسطينيين. هذا الواقع يعرف بنظام ابرتهايد”.

والسؤال المطروح هو على ماذا تعول الادارة الامريكية وهي تقترح خطة تعتبر لاغية من قبل الفلسطينيين؟ الرهان الامريكي نابع من تجربة العقدين الماضيين التي اثبتت ان رغبة فتح وحماس في السلطة أقوى بكثير من التصاقها بالمبادئ الوطنية التي باسمها اقامت سلطتهما في الضفة الغربية وفي غزة. وقد اثبتت حماس رغبتها في مقايضة سلاح المقاومة مقابل الدولارات القطرية التي تتدفق الى غزة بموافقة اسرائيلية. فبإسم مكافحة الإرهاب تصادر إسرائيل أموال سلطة رام الله وباسم الدوافع الإنسانية تسمح بمرور الدولارات لمن يعتبر من قبلها إرهابيا في غزة. فتضييق الخناق على سلطة رام الله مثله مثل تسيير الدولارات الى غزة إذ ان مغزى الخطوتين هو نفسه: تمرير صفقة القرن. ان الحل النهائي مثلما يتبلور امامنا هي امارة إسلامية في غزة وحكم ذاتي محدود تحت الإحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية.

ورغم الرفض الفلسطيني بقبول بل وحتى الاضطلاع على تفاصيل صفقة القرن التي مثل ما تبين تنص على تكريس نظام اللأبرتهايد، ورغم رفض حركتي فتح وحماس المشاركة في ندوة المنامة الاقتصادية، الا انه فهذا الموقف الرافض لا يمنع منهما التعامل مع هذه الخطة على ارض الواقع. فأول ما قام به ابو مازن هو فك الإرتباط الكلي عن قطاع غزة من خلال تشكيل حكومة محمد اشتية بدل حكومة الوفاق التي ترأسها رامي الحمد الله. اما رد حماس السريع كان خوض مفاوضات مفصلة مع اسرائيل عبر الوسيط المصري وبتمويل قطري. في نفس الوقت يستمر التعاون الأمني الذي لم يتوقف ولو للحظة واحدة، فسلطة رام الله المتهمة بتشجيع الإرهاب من قبل نتانياهو تسملت مؤخرا عشرة مدرعات عسكرية هدية من ترامب بموافقة بل بترحيب إسرائيلي. فترامب يوقف الدعم للمشاريع المدنية الفلسطيني لكنه يريد تقوية التنسيق الامني مع إسرائيل. من طرفها توصلت حركة حماس بنفس التوقيت الى شبه إتفاق مع إسرائيل على اساس تسهيلات إقتصادية مقابل الهدوء على الشريط الحدودي بين غزة واسرائيل.

وهكذا ودون إحتفالات التوقيع على معاهدة سلام جديدة، وفي جو من الرفض اللفظي يتم تطبيق صفقة القرن بإعتبارها تكريسا لنظام الأبرتهايد على ارض الواقع. صحيح أن سلطتي فتح وحماس ترفضان الخطة الامريكية الإسرائيلية لكنهم تتعاملا معها طالما لا تمس في سلطتهما. وقد اعلن نتانياهو مرارا وتكرارا انه لا يريد الإطاحة بسلطة حماس بل يريد إجبارها على القبول بمعادلة الهدوء الامني مقابل تسهيلات إقتصادية. اما بكل ما يتعلق بأبي مازن فكل أجنحة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تعود وتكرر أهمية بل وونجاعة التنسيق الأمني مع سلطة رام الله في المعركة ضد الارهاب. فنظام الأبرتهايد ليس خطة نظرية بل أصبح واقعًا جديدًا قديمًا الذي يفترض رد سياسي واضح فالرفض اللفظي ليس سوى غطاء لقبول السلطة بهذا النظام العنصري كامر واقع. إتفاق أوسلو اوصلنا الى الدولة الواحدة العنصرية والرد السياسي المعقول والوحيد لصفقة القرن هو الدعوة الى إقامة دولة ديمقراطية متساوية لكل مواطنيها كمدخل لتسوية النزاع اسرائيلي الفلسطيني. برنامج الدولة الواحدة بعيد جدا عن مطامع حركتي فتح وحماس اللتين لا تريدان لا دولة ولا ديمقراطية بل شكلت جهازا سلطويا فاسدا يرتزق من المنح الخارجية والتسهيلات الإسرائيلية. لذلك لا يمكن لفتح او لحماس أن تتنازلان عن امتيازاتهما سوى بإرادة الشعب الذي يعاني يوميا من ممارسات الاحتلال من ناحية ومن السلطتين الفلسطينيتين القمعيتين التين تشكلتا بموجب اتفاق اوسلو من ناحية اخرى.  

عن يعقوب بن افرات