“صفقة القرن” ولدت من رحم أوسلو – على السلطة إعادة المفاتيح إلى الاحتلال

مرّ أسبوعان على الإعلان عن خطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط المعروفة باسم “صفقة القرن”، في احتفال مهيب في البيت الأبيض برعاية ترامب ونتانياهو، وبحضور ممثلين عن المستوطنين والإنجيليين الأمريكان الذين ينادون بضم الضفة الغربية إلى إسرائيل وتحقيق شعار إسرائيل الكبرى.

وعد نتانياهو في خطابه أمام الجمهور وترامب نفسه، خلال حفل الإعلان، بأنه سيقدم مشروع قانون لبسط القانون الإسرائيلي على المستوطنات وغور الأردن في جلسة الحكومة المقبلة، أي بعد خمسة أيام من ذلك التاريخ، لكنه في النهاية أضطر إلى إلغاء الجلسة والإعلان عن ضم المستوطنات وتم تأجيله إلى ما بعد الانتخابات التشريعية المرتقبة، وذلك بسبب معارضة جاريد كوشنير صهر ترامب ومهندس الصفقة.

بعد يومين من الإعلان عن “صفقة القرن”، أي في الـ 30 من يناير الفائت، زارت رئيسة وكالة الاستخبارات الامريكية (CIA) جينا هسبيل رام الله والتقت بمسؤولي السلطة الفلسطينية لتطمئنهم بأن عملية الضم لن تتم فورا وتحتاج إلى وقت، لذلك يجب ألا يتوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل وأن يستمر كالمعتاد.

الغريب في الأمر هو أن العلاقة بين السلطة الفلسطينية والبيت الأبيض لا تمر عبر القنوات الديبلوماسية العادية التي باتت مقطوعة، بل انتقلت إلى المجال الأمني مثلها مثل العلاقة مع إسرائيل. فالعلاقات الدبلوماسية انقطعت بين الطرفين بعد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وطرد السفير الفلسطيني لدى واشنطن.

وفي الجانب الآخر فإن التنسيق الأمني بين المخابرات الفلسطينية والشاباك الإسرائيلي لا يزال مستمراً رغم القطيعة بين نتانياهو وأبو مازن والرفض الفلسطيني اللفظي للتطبيع مع إسرائيل. وقد وصف أبو مازن التنسيق الأمني بأنه أمر “مقدس” مما يعني أن أمن السلطة الفلسطينية أقدس من القدس والأرض الفلسطينية نفسها. وفقاً لذلك تعتبر السلطة الفلسطينية، من دون شك، أكبر انجازات اتفاق أوسلو ووجودها أصبح مصلحة إسرائيلية وأمريكية ومن دونها لن ترَ صفقة القرن النور.

وفي قراءة دقيقة لوثيقة ” سلام من أجل الازدهار”، العنوان الذي حملته خطة ترامب للسلام أو “صفقة القرن” تتبين الأهمية القصوى التي يوليها الأمريكيون وشركائهم الإسرائيليون للتنسيق الأمني كحجر أساسي في بناء هيكل الاتفاق الإسرائيلي الفلسطيني.

الغريب في الواقع اليوم هو بأننا نرى معارضي اتفاق أوسلو المتشددين من الطرف الإسرائيلي الذين حرضوا، في حينه، على رابين وشاركوا ضمنياً في اغتياله، أصبحوا اليوم يتمسكون بأوسلو وحتى بميراث رابين وهم من غدروا به.

وقد بدأت وثيقة “سلام من أجل الازدهار”، التي بلغت نحو 180 صفحة، وكان فصلها الأول تحت عنوان “أوسلو” وتقتبس فيه رؤية رابين للسلام المستقبلي مع الفلسطينيين حيث عبر رابين في خطابه الأخير امام الكنيست عن رؤيته للحل النهائي للنزاع. فقد رأى ان القدس الموحدة خاضعة للحكم الإسرائيلي، والمناطق في الضفة الغربية المأهولة بالسكان اليهود وغور الأردن سيتم ضمها لإسرائيل وما تبقى من الضفة الغربية وغزة سيخضع لحكم ذاتي مدني فلسطيني بما سماه رابين بقوله “أكثر من حكم ذاتي وأقل من دولة”.

ومن الواضح ان الرؤية التي تعتمد عليها “صفقة القرن” هي اتفاق أوسلو، الذي تتمسك به السلطة الفلسطينية، على الرغم من أن أوسلو لم ولن يقود أبداً إلى دولة مستقلة مثلما ادعت منظمة التحرير الفلسطينية بل إلى حكم ذاتي موسع، وهذا وما تؤكده الوثيقة نفسها التي جاء فيها: “رؤية رابين كانت الأساس الذي عليه صدق الكنيست على اتفاق أوسلو ولم ترفض من قبل القيادة الفلسطينية في حينه”.

إن أهم إنجاز لاتفاق أوسلو وحسب الرؤية الإسرائيلية الأمريكية لم يكن الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة بل “التعاون الأمني بين جيش الدفاع الإسرائيلي والقوات الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية. وإن قدرة جيش الدفاع الإسرائيلي والقوى الأمنية الفلسطينية للعمل المشترك يمنح الأمل بأن من الممكن التغلب على التحديات الأمنية من خلال اتفاق نهائي بين إسرائيل والفلسطينيين”، كما جاء في نص الوثيقة.

باختصار شديد مقابل الحصول على حكم ذاتي على الفلسطينيين ان يقدموا ضمانات لأمن إسرائيل. لأنه وبحسب الرؤية الأمريكية الإسرائيلية مجرد وجود الفلسطينيين يشكل خطرًا على أمن إسرائيل وعليهم أن يثبتوا حسن سلوكهم من خلال تغيير مناهج التعليم، ووقف المساعدات المالية للأسرى وعائلات الشهداء والمعتقلين، وأن يعترفوا بيهودية دولة إسرائيل، وأن يستعدوا لقبول عرب المثلث إلى محميتهم العتيدة وأن يتنازلوا عن حرية الأسرى، المحكومين بالمؤيد، فضلاً عن طلبات “إيجابية” مثل تصفية الفساد وسوء الإدارة، واحترام حقوق الإنسان، وإنشاء نظام ديمقراطي في إطار الحكم الذاتي.

وليس صدفة أن تعتمد صفقة القرن على اتفاق أوسلو ورؤية رابين اللذين واجها، حينها، رفضاً من قبل نتانياهو واليمين الإسرائيلي أن يكون هدفها خلق إجماع إسرائيلي جديد يجمع اليمين واليسار الإسرائيلي حول ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية.

إن استدعاء زعيم أكبر أحزاب المعارضة، الجنرال بيني غانتس، رئيس حزب “كاحول لافان” إلى البيت الأبيض قبل الإعلان عن صفقة القرن، وموقف حزبه الإيجابي منها، يؤكد أن الأبواب مغلقة أمام الدولة الفلسطينية داخل إسرائيل، باستثناء حزب “ميريتس” و “القائمة العربية المشتركة” لا توجد أية قوة سياسية أخرى تعارض الضم.

وقد حظيت “صفقة القرن” بإجماع إسرائيلي جديد يرى في كل المستوطنات، وليس فقط في الكتل الاستيطانية المحاذية للخط الأخضر، جزءاً من إسرائيل. وحل الدولتين أصبح شيء من الماضي وتبين أنه بعد 27 سنة من التوقيع على اتفاق أوسلو أن مشروع الدولة المستقلة قد مات مع توقيع عرفات على معاهدة السلام مع إسرائيل، وما تمثله “صفقة القرن” هو فقط القشة التي كسرت ظهر البعير لأنها سدت تماماً الطريق أمام إقامة الدولة المستقلة على أراضي 67.

سؤال هو ما العمل؟ أبو مازن يصرح بمعارضته ورفضه ويحاول دون نجاح يذكر ان يجند مجلس الأمن لصالحه. وأيام الغضب التي دعا إليها بقت هزيلة بعدما فَقد الشعب ثقته في السلطة وفي إمكانية تحقيق مشروع الدولة المستقلة التي وعد بها.

لكن يبقى تحقيق “صفقة القرن” مرهوناً بموافقة السلطة وباستمرار التنسيق الأمني “المقدس” ولذلك فمن الممكن أن يستمر أبو مازن في سياسته الرافضة للاتفاق الأمر الذي قد يعرقل مؤقتاً تنفيذ مخطط الضم. لكن السياسة السلبية لا يمكن أن تغير المعطيات على الأرض، والرفض وحده لا يكفي، فكل ما سيحصل عليه الفلسطينيين هو حكم ذاتي هزيل شاء أبو مازن أو أبى.

والطريق الوحيد لقلب المعادلة هو نسف اتفاق أوسلو، ووقف التنسيق الأمني وإعادة المفاتيح للاحتلال. هذا هو الاستنتاج المنطقي والوحيد وهو الرد المناسب لصفقة القرن مثل ما يقترح مروان المعشر، وزير الخارجية الأردني السابق، في مقال له في “الشرق الأوسط” قائلا: “ليعلن الجانب الفلسطيني إعادة مفاتيح الضفة الغربية وقطاع غزة للاحتلال لتحمل مسؤولياته، ويطالب بمواطَنة متساوية كاملة الحقوق في الدولة الواحدة، أي إسرائيل”.

البديل.. ورؤية حزب دعم

هذا ما يطرحه حزب دعم الذي يخوض الانتخابات للمرة الثالثة بقائمة ” دولة واحدة – اقتصاد أخضر”. موقفنا يعتمد على قناعة راسخة بأنه الحل الوحيد للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني ورفضنا الحازم لموقف القائمة المشتركة التي تتبنى موقف أبو مازن وتحاول عبثا الوصول إلى تفاهمات مع غانتس بهدف اسقاط نتانياهو. حزب دعم لا يرى فرقا جوهريا بين نتانياهو وغانتس إذ أن الأول يستعد لتنفيذ الضم دون موافقة فلسطينية بينما يعلن غانتس بأنه يريد الضم من خلال التفاوض مع أبو مازن مثل ما يريد جارد كوشنير.

إننا في دعم نشكل بديل ثالث، نسعى لبناء جبهة عريضة تجمع بين فلسطينيين في الضفة الغربية وغزة وإسرائيليين الذي يرفضون صفقة القرن ويرفضون الحياة في ظل نظام فصل عنصري الذي سيطيل من عمر النزاع الدموي بين فلسطينيين وإسرائيليين. يجب أن نعترف بأن كل من ينادي اليوم بحل الدولتين يقدم بذلك غطاء لاستمرار الوضع القائم المتمثل بالاستيطان من ناحية، وبالسلطة الفلسطينية الفاسدة والقمعية والتي لا تبالي في مستقبل المواطن بل في مصالحها وامتيازاتها الضيقة من الناحية الثانية.

حان الوقت لنقول كفى! دولة ديمقراطية واحدة للجميع أو مثلما كتب مروان المعشر: “لقد حان الوقت لوضع إسرائيل أمام مسؤولياتها، وعدم مساعدتها في إدامة الاحتلال دون تكلفة تُذكر”.

عن يعقوب بن افرات