عباس يقود الفلسطينيين الى الجحيم

في يوم الجمعة 19 يوليو أعلن وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، عن استئناف المفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين. جاء الاعلان من عمان، لا من القدس ولا رام الله، بل العاصمة الاردنية التي تحولت الى قاعدة لعمليات الخارجية الامريكية. لم يلتق كيري هذه المرة برئيس الوزراء الاسرائيلي، بنيامين نتانياهو، فليس على هذا الاخير دفع الثمن، بل على الرئيس الفلسطيني، محمود عباس (ابو مازن). فأبو مازن هو المطالَب بقبول الشرط الاسرائيلي “مفاوضات دون شروط مسبقة”، أي دون التزام بتجميد الاستيطان او بحدود ال67 كحدود للدولة الفلسطينية. لا جديد تحت الشمس اذن، وما ينتظرنا هو جولة اضافية من المفاوضات لأجل المفاوضات، تماما كما عوّدنا المتفاوضون منذ توقيع اتفاق اوسلو.

صمد ابو مازن لمدة ثلاث سنوات في رفضه التفاوض مع اسرائيل دون التزام من نتانياهو بوقف الاستيطان والاعتراف بان حدود 1967 هي مرجعية المفاوضات، فما الذي تغير؟ حري بالذكر ان نتانياهو نفسه لم يغير موقفه، بالعكس، حكومته هي اكثر تصلّبا من سابقتها التي رفض ابو مازن الجلوس معها. من تغير اذن هو ابو مازن والظروف الاقليمية، وتحديدا الانقلاب العسكري في مصر الذي غيّر موازين القوى في المنطقة.

قبل ان يتخذ ابو مازن قراره استئناف المفاوضات، كان كيري قد استدعى 11 وزير خارجية عربا، معظمهم من دول الخليج وعلى رأسها السعودية، للحصول على دعمهم لخطواته. ومن يدقق في جدول عمل الاجتماع الذي لم يحظ بتغطية صحافية كبيرة، يرى ان الموضوع المصري كان مطروحا هو الآخر على جدول الاعمال، والدلالة على ذلك انه رأسا بعد اعلان كيري، زار الملك الاردني القاهرة ليكون اول زعيم يقوم بذلك بعد الانقلاب العسكري.

والسؤال، ما العلاقة بين المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية وبين ما يحدث في مصر؟ ما القاسم المشترك هذه المرة الذي يجمع دول الخليج، امريكا، اسرائيل والسلطة الفلسطينية؟ لا شك ان القواسم المشتركة عديدة، ايران اولها، وهذه المرة اضيفت لها مصر وتحديدا الاخوان المسلمون. وقد نجحت المملكة السعودية في تسديد ضربة للاخوان والانقلاب عليهم في سورية من خلال فرض احمد عاصي جربا قائدا للائتلاف الوطني، كما خططت ومولت الانقلاب العسكري في مصر ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي، وذلك من خلال حزب النور السلفي.

ما العلاقة بين هذا وبين الفلسطينيين؟ علاقة وطيدة للغاية. فكما كان سقوط حسني مبارك ضربة قاضية لأبو مازن، كذلك فان سقوط الرئيس المصري الاخواني يشكل ضربة قاصمة لحركة حماس. في ثورة 25 يناير فقد ابو مازن اهم حليف استراتيجي له في العالم العربي، وفي 30 يونيو فقدت حركة حماس أوراقها، وجاء هذا بعد ان اضطرت لمغادرة دمشق وباتت اليوم مطوقة من كل الاتجاهات، مصر العسكرية واسرائيل والسلطة الفلسطينية التي تتحين الفرصة لتصفية حساباتها معها.

سبق الانقلاب حملة تحريض شنتها جبهة الانقاذ في مصر ضد حماس، واستخدمتها كذريعة للطعن بشرعية الرئيس مرسي، واتهمته بالتسامح مع الارهاب في سيناء والاساءة للأمن القومي المصري. من هؤلاء حركة “تمرد” التي شنّت على الاخوان “الحرب على الارهاب”، لتغطي بذلك على حملة القمع التي تمارسها اجهزة الامن المصرية ضد قياديي ونشيطي الاخوان المسلمين. في نفس الوقت يقوم الجيش المصري بنسف الأنفاق التي اصبحت الشريان الاقتصادي الرئيسي لإدخال البضائع من مصر لغزة.

بعد ان تم زج الاخوان المسلمين في السجون المصرية، وحوصرت حماس في غزة، يجري العمل على إحكام الحصار من خلال إعادة التواصل مع اسرائيل. مرسي نفسه جرب الوصفة ذاتها ليغلق الطريق على منافسيه ويضمن الدعم الامريكي لحكومته، وذلك عندما رعى اتفاق وقف اطلاق النار بين اسرائيل وحماس بعد الحرب الاخيرة على غزة. ولكنه بالغ في تقييم نفوذه عندما قام على الفور بنشر الاعلان الدستوري الاستبدادي الذي قلب المشهد ضده ومهّد لخسارته السلطة. اليوم، تستغل السعودية المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية لكسب التأييد الامريكي للانقلاب العسكري المشكوك بشرعيته في مصر.

وهكذا يقوم احد اللاعبين الاقليميين في كل مرة بالتضحية بأحد طرفي النزاع الفلسطينيين، فمرة ضحّى مرسي بحماس ليحصل على الدعم الامريكي لإعلانه الدستوري، وهذه المرة تضحي السعودية بابو مازن لكسب الدعم الامريكي في مواجهتها للاخوان الذين تخشى ان يقوّضوا سلطانها.

ولكن هذه السياسات جميعها قد ثبت فشلها. فمع كل الاحترام الذي يكنّه هؤلاء للدعم الامريكي، الا ان الحكومات متعلقة في نهاية المطاف برضى وقبول شعوبها. واذا كان مرسي قد فشل في إرضاء تطلعات الشعب المصري، فلا شيء يضمن نجاح الحكم العسكري المتنكر في زيّ ليبرالي.

السؤال الآن ماذا سيتقاضى ابو مازن لقاء الصفقة الاقليمية الجديدة؟ كالعادة بعض الفتات: إطلاق سراح 100 اسير فلسطيني كان المفروض ان يحرروا مع توقيع اتفاقية السلام قبل 20 عاما! وبعض وعود بمساعدات مالية وهو ما تريده السلطة الفلسطينية التي اعتادت العيش من دولارات الدول المانحة مقابل مفاوضات عقيمة لا تقود لدولة ولا لنزع مستوطنة واحدة.

موافقة ابو مازن على استئناف المفاوضات ليست سوى مدخل إضافي لتقوية المحور الرجعي الامريكي الذي انتعش من جديد بعد الانقلاب في مصر الذي اعاد عناصر نظام مبارك للواجهة. الانكى من ذلك ان هذه الجولة ستعمق الانقسام الداخلي الفلسطيني وتحشر حماس في زاوية اضيق من التي كانت فيها.

لا علاقة لهذه الخطوة بالدولة الفلسطينية ولا بوقف الاستيطان، لان الحكومة الاسرائيلية لا تنوي تفكيك المستوطنات فهي حكومة المستوطنين. لقد بدّد الفلسطينيون 20 عاما في مفاوضات عبثية كانت مجرد غطاء على تعميق الاستيطان والاحتلال. ان كل ما يريده نتانياهو هو تخفيف الضغط الدولي عليه وتهدئة اوساط في الرأي العام المحلي ضده، وقد وجد في ابو مازن “الشريك” المناسب لإنقاذه من الورطة، في الحرب المشتركة ضد حماس.

مأساة الشعب الفلسطيني انه لم يتحرر حتى الآن من الاجندات الاقليمية. فتارة يسطع نجم الاخوان بدعم قطر فتحتفل حماس، وتارة ينقلب الجيش المصري بدعم سعودي فتحتفل فتح. وبين حانا ومانا يضيع الشعب الفلسطيني، الرازح منذ عقود طويلة تحت الاحتلال، يعاني فقرا مدقعا، معدل الدخل القومي للفرد لا يتجاوز ال2000 دولار سنويا في الضفة و1000 دولار في غزة، ويصل معدل البطالة في الضفة الى 20%. هذا هو الوقع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني وهو يزداد سوءا مع الزيادة السكانية من ناحية ومع استمرار اسرائيل في ابتلاع الموارد الطبيعية للضفة الغربية لصالح مستوطناتها.

هذه المفاوضات لا تبشر بخير، بل تنطلق من دوافع سياسية لا علاقة لها بمستقبل الشعب الفلسطيني. انها تخدم السلطة الفلسطينية وفتح من ناحية وحكومة نتانياهو وحزبه اليميني من جهة اخرى. وبما ان الشعب الفلسطيني لن ينال حقه في تقرير مصيره، يمكننا القول ان هذه المفاوضات لا تخدم ايضا الشعب الاسرائيلي. فكل فرصة يتم تفويتها انما تقلل احتمالات نجاح الفرصة القادمة، لانها تزيد بذلك عدم الثقة بين الشعبين وتسعّر الاتهامات المتبادلة.

كان بإمكان ابو مازن ان يرفض الاستمرار في هذه اللعبة الخطيرة وان يحل السلطة الفلسطينية ويعيد المفاتيح للاحتلال المباشر ليواجه الغضب الفلسطيني. ولكن للأسف الشديد قيادة فتح وجدت الجنة في رام الله، وتركت بقية مناطق الضفة الغربية وغزة تعيش جحيما لا يطاق ولا افق منظور لنهايته. لقد اخطأ ابو مازن عندما راهن على مبارك، واخطأت حماس عندما راهنت على الاخوان، والحق ان لا احد يراهن على الشعب المصري او الشعب الفلسطيني، وهذا هو السبب الرئيسي لفشل كل مخططاتهم.

عن حزب دعم

يرى حزب دعم أن برنامج "نيو ديل إسرائيلي – فلسطيني أخضر" هو الحل الأنسب لمعالجة الأزمة السياسية والاقتصادية التي تمر بها إسرائيل، وهو مرتكز أساسي لبناء شراكة إسرائيلية فلسطينية حقيقية لإنهاء نظام الفصل العنصري "الأبرتهايد" الذي تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين في المناطق المحتلة. هذا الحل مبني على أساس "العدالة المدنية"، ما يعني منح الفلسطينيين كامل الحقوق المدنية ووقف كل أنواع التمييز والتفرقة بين اليهودي والعربي ضمن دولة واحدة من النهر إلى البحر. إن تغيير الأولويات الاقتصادية والاجتماعية ومحاربة الاحتباس الحراري لإنقاذ البشرية من الانقراض ليس مهمة "صهيونية" فحسب أو "فلسطينية"، بل هي مهمة كونية وأممية في جوهرها. ومثلما لا يمكن تطبيق الأجندة الخضراء في أمريكا من دون معالجة العنصرية ضد السود، كذلك لا يمكن تحقيق برنامج أخضر في إسرائيل بمعزل عن إنهاء نظام الأبرتهايد والقضاء على التمييز العنصري تجاه المواطنين العرب في إسرائيل.