في الفرق بين 49.2% وبين 99.9% يكمن جوهر الازمة

كل مواطن عربي، صغيرا كان او كبير سيعرف الفرق بين النتيجتين بكل سهولة ف49،2% هي نسبة التصويت في الانتخابات للكنيست اما 99،9% هو نسبة التصويت في انتخابات السلطات المحلية العربية. هذه المعادلة تلخص قصة المجتمع العربي وتفسر كل مشاكله، من العنف المستشري الى سوء الادارة، التلوث البيئي، مشكلة التعليم وعدم وجود مراكز ثقافية من دور سينما الى مسارح. هذه المعادلة تشير أيضا الى عدم ثقة المواطن العربي في النظام الديمقراطي مقابل تعصبه المطلق للنظام العائلي. ومن الممكن القول بان النسبة هي عكسية، كلما تراجعت الثقة في النظام الديمقراطي أي الكنيست والاحزاب العربية كلما ارتفع منسوب الانتماء العائلي والاخلاص للحمولة والنظام الابوي الاقطاعي السائد في الوسط العربي.

ملحق صحيفة هآرتس الاقتصادي “ذي ماركر” نشر مؤخرا مقالين تطرقا لهذه المعادلة. المقال الاول بقلم مدير “الجمعية من اجل الادارة السليمة” المحامي نضال حايك والثاني بقلم نسرين حداد حاج يحيى والمحامي عوديد رون، الباحثان في “المعهد الاسرائيلي للديمقراطية”. المقال الاول الذي نشرته دي ماركر في 31/7 يتعلق بمسألة مشاركة العرب في الانتخابات المحلية او نسبة ال99،9% وهو بعنوان “كل الاسباب التي تفشل البلدات العربية”. اما المقال الثاني والذي نشر في 1/8 يتطرق الى ال 49،2% – او الى نسبة التصويت للكنيست وعنوانه “الطريق العربي الى صندوق الاقتراع يبدأ من حملات دعاية تناديهم الى التصويت”.

ورغم ان المقالين يتحدثان عن نفس المجتمع وميوله الانتخابية الا ان الفصل بينهما هو مطلق وكأننا نتحدث عن مجتمعين منفصلين رغم العلاقة الوثيقة بين القضيتين: السلطة المحلية من ناحية والسلطة التشريعية من ناحية اخرى.

المقال الاول لنضال حايك يحمل دون شك وصفا دقيقا للغاية، للفشل البنيوي الذي يعاني منه المجتمع العربي، اذ انه بمثابة صورة اشعة تسلط الضوء على اهم عيوبه. وقد لخص العيوب الرئيسة بخمسة بنود التي يكفي ان نذكرها وكل فرد من هذا المجتمع سيعرف ما المقصود. الاول يتعلق “بتضارب المصالح والتوظيف الغير قانوني” أي توظيف ابناء العائلة، الثاني “نقص في فرض القانون”، تحديدا في جباية الضرائب، الثالث يتعلق “بالرؤية الغير ديمقراطية” او الانتماء للحمولة مما يعني ان ممثلي الجمهور يستجيبون لأفراد العائلة على حساب بقية الجمهور، الرابع “انعدام الشفافية”، مما يعني ان الجمهور العربي يبقى بعيدا عن مراقبة ومحاسبة اعمال المجلس المحلي، والخامس يتعلق “بضعف الرقابة الداخلية” بمعنى ان ليس من رقيب داخلي مخلص لمصلحة الجمهور ليكشف عن الفساد فهو يخدم مصلحة عائلة رئيس المجلس المحلي.

ومع ان المحامي القدير يحدد بدقة العيوب الخمسة الاساسية الا انه لا يقترح طرقا للعلاج بل يكتفي بكشفها امام الجمهور ويتوقع من المؤسسات الحكومية بان تعمل على تصحيح الوضع. يبدو ان ما دفع المحامي نضال حايك لكتابة هذا المقال هو القرار الحكومي رقم 922 من سنة 2015 الذي حسب اقواله منح المجتمع العربي هبات غير مسبوقة في شتى المجالات من تعليم، مواصلات، سكن، بنى تحتية، وتشغيل بالإضافة لتحسين الامن الداخلي. ويحذر حايك من ان هذه الميزانيات التي يتم نقلها الى السلطات المحلية العربية باعتبارها “مقاولا تنفيذيا للمشروع” ستتحول “من فرصة تاريخية الى فشل تاريخي” في ظل المشاكل الجمة الذي قد لفت النظر اليها في مقاله.

ومع ذلك نقطة الضعف في المقال هي بانه لا يذكر من قريب او بعيد نسبة التصويت للسلطة المحلية العربية التي تصل ل 99،9% مما يعني انه حتى الاموات يقومون من المقابر ليصوتوا من اجل العائلة. هذه النسبة تدل على ان كل المجتمع، من كبار وصغار، مثقفين وغير مثقفين، مهنيين وغير مهنيين شركاء في الجريمة وفي هذه الحالة ماذا تريدون من الحكومة؟

اما المقال الثاني يشير باصبع الاتهام الى لجنة الانتخابات المركزية التي لا تخصص الميزانية الكافية لتشجيع الناخب العربي على الخروج للاقتراع مما يؤدي الى نسبة تصويت لا تتعدى 50% من أصحاب حق الاقتراع. ومع ان مقال السيدة نسرين حداد حاج يحيى يشير الى عدم ثقة الجمهور بالأحزاب لعربية والتحريض المستمر ضدها من قبل النظام الا انها لا تتطرق بتاتا الى الظاهرة الاساسية وهي البنية العائلية للمجتمع العربي التي تحدد سلوكه السياسي. ان ايمن عودة ورفاقه قد تفاخروا بإنجازهم الكبير عندما صدر قرار 922 الحكومي والتقطوا الصور وهم يصافحون نتنياهو ومنذ ذلك الحين لا احد يعرف ماذا حدث مع هذا الانجاز التاريخي وكيف اهدرت الأموال التي استثمرت به.

كيف من الممكن تفسير هذه الظاهرة؟ القائمة المشتركة حصلت على المليارات من اجل الوسط العرب ويوم الانتخابات لا يرد لها الجميل بل ويمتنع عن التصويت. الجواب بسيط، المليارات ضاعت في الطريق ولم تصل الى عنوانها واكبر مؤشر لذلك هو الارتفاع المستمر في احداث العنف.

ان الخلل الاساسي في المجتمع العربي هو التقاسم الوظيفي بين العائلات وبين الأحزاب. هذا التعاون بينهما يضرب بمصداقية السياسيين الذين يرفعون عاليا راية الوطنية ولكن على ارض الواقع يؤدون التحية امام راية العائلية. يمكننا ان نرى هذا الخلل منذ زمن بعيد في تركيبة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة التي كانت منذ بدايتها عام 1977 عبارة عن تحالف غير مقدس بين الحزب الشيوعي وبين ممثلي العائلات. وعندما تفرعت عنها الأحزاب الأخرى رأينا تقليدا لهذه الظاهرة السلبية بدل من محاربتها. نتيجة هذا النهج المترسخ عند الجميع اختلط فيه اليوم الحبل بالنابل حتى بات من غير الممكن التمييز بين الحزبي والعائلي. وقد وصلت الامور بان قام احد الأحزاب بانتخاب رئيس حزب وابن عائلته وهو يسمي نفسه “العربية للتغيير”. حزب ثان انتخب نائب ينادي بتعدد الزوجات. اما العائلات فقد أصبحت تقلد الاحزاب وتدار بشكل “ديمقراطي” حيث تجري انتخابات داخلية “برايمرز” لانتخاب المرشح لرئاسة القائمة العائلية في انتخابات البلدية او المجلس المحلي. ويبقى السؤال: كيف من الممكن للحكومة، الشرطة وحتى جيش الدفاع الاسرائيلي ان يغّير نظام يحظى ب99،9% من الدعم بما فيه كل الاحزاب العربية؟

ان الكارثة تكمن في أن الاحزاب العربية تحشر نفسها داخل القوقعة القومية مما يحيّدها من إمكانية التأثير على القرار السياسي وبالتالي يضعف ثقة المواطن بها وفي النظام الديمقراطي ويدفعه بعيدا عن المشاركة في اللعبة الانتخابية. في نفس الوقت تغطي هذه الاحزاب على النظام العائلي الذي من طرفه يحيّد الامكانية لتوظيف الموارد وادارتها بطريقة سليمة. ان الهدف الذي على كل حزب عصري ان يسعى اليه هو رفع نسبة التصويت في انتخابات الكنيست والاكتفاء بنسبة تصويت مماثلة للسلطات المحلية، حيث ان التوازن بين السياسة المحلية والسياسة البرلمانية يدل على نمط فكري وسياسي حر وعلى ان قرار المواطنين يعبر عن آرائهم وليس عن انتماءاتهم الضيقة.

ان المجتمع العربي وصل الى طريق مسدود، فلا امكانية للتطور والتطوير دون استبدال النظام العائلي الذي يقتل كل مبادرة ويمنع الرقابة السليمة والاداء السليم والذي يجب تبديله بنظام ديمقراطي جديد مؤسس على برامج سياسية ومناقشة الآراء والرؤية المستقبلية. وطالما نحن على ابواب انتخابات فما رأيناه من صراعات مستمرة في القائمة المشتركة يدل على ان لا شيء قد تغير. من الخطأ إعتبار الوحدة كإنجاز بحد ذاته او وصفة لحل المشاكل إذ أنه من الممكن ان تتحول الوحدة الى قيود تقود الى شلل وتغييب النقاش الديمقراطي. ان القاسم المشترك بين مركبات القائمة المشتركة هو الكرسي اولا واخيرا وهذا شيء قد تبيّنه الملأ. فلا تنتظروا تدفق الشباب نحو صناديق الاقتراع، لا سيرا على الاقدام ولا بالباصات، ولا تركنوا على نداءات المؤذن آخر اليوم لينقذكم من حكم الجماهير. من يريد ان تبقى الامور على ما هي عليها ويريد ان يحافظ على معادلة 99،9% مقابل 49،2%، عليه ان يصوت للقائمة المشتركة التي هي رمز الوضع التعيس الحالي. اما من يريد ان يغيّر وأن يبدأ بشق الطريق نحو قلب الواقع الراهن رأسا على عقب وان يمحى الانتماءات العائلية والانتهازية السياسية وان يربط بين الاقوال والافعال عليه ان يصوت للقائمة التي تطرح رؤية جديدة ومعاصرة قائمة دعم – “إقتصاد أخضر- دولة واحدة” وشعارها “ص”.  

عن يعقوب بن افرات