القى النائب منصور عباس قنبلة سياسية وايديولوجية، من العيار الثقيل، في وجه “القائمة المشتركة” عندما قال بشكل قاطع إن “الثوابت الدينية بالنسبة لنا لا تقل أهمية عن الوطنيّة، ولا نفصل بين الثوابت الوطنية والثوابت الدينية.” هذا التصريح له دلالات مهمة وخطيرة في آنٍ واحد، ويعتبر سابقة حيث لأول مرة يوضع المبدأ الديني فوق المبدأ الوطني. هذا الإعلان الخطير لم يلق رداً صريحاً من قبل شركائه في القائمة المشتركة الذين تحالفوا معه على أساس المبدأ الوطني، ربما من باب “أننا عرب وهذا يكفي لكي نتوحد”. ولكن منصور عباس يعتمد في تصريحه على الاعتقاد بأن عقيدة الحركة الإسلامية هي “عقيدة غالبيّة مجتمعنا العربي” على حد تعبيره، ما يعني أن المطلب ليس مطلباً حزبياً ضيقاً بل تعبيراً عن موقف “غالبية المجتمع العربي”.
قنبلة لنسف “المشتركة”
ويشكل تصريح عباس بيت القصيد في الخلاف السياسي بين مكونات القائمة المشتركة، المقبلة على جولة انتخابات وشيكة، ويفتح أبواب النقاش على مصراعيه، ويأتي بنقاش من نوع جديد، ولأول مرة يُدار على الملأ وعلناً، ومفاده أن الشعار الوطني هو مهم وأحد أعمدة وحدة القائمة المشتركة الأساسية إلا أنه ليس الأهم. فالثابت الديني هو الأهم والإسلام هو الأهم، وبهذه الطريقة يُغلّف عباس المفهوم الوطني بغلاف ديني.
ووفقاً لتقديمه البعد الديني على ما سواه، راح منصور عباس يطلب من الجبهة والتجمع اتخاذ موقف واضح للامتناع عن التصويت للقوانين التي تدعم المثليين أو التي تحد من صلاحية المحاكم الشرعية أو القوانين التي تبيح تأجير الأرحام وغيرها، واشترط على أعضاء المشتركة اتباع هذا النهج للحفاظ على الوحدة الوطنية للمشتركة. وكان يريد إجبارهم على قبول نهجه من خلال تقديمه التعريف الدقيق، من وجهة نظره، لمفهوم الوطنية وليس كما المفهوم الفضفاض المتداول إلى حد الآن، على حد تعبيره.
يدرك منصور عباس جيداً أن المركبات الثلاثة الاخرى للقائمة المشتركة لن تقبل بهذا الطرح، لذلك رأى من المناسب إلقاء هذه القنبلة التي نسفت القائمة المشتركة نظراً لتراجع شعبيتها اليوم في صفوف ناخبيها. وقد بينت استطلاعات الرأي الأخيرة أن القائمة قد تفقد 5 مقاعد مما كان بحوزتها في الانتخابات السابقة (10 مقاعد بدل 15). هذا الهبوط الحاد في عدد المقاعد ما هو إلا ترجمة لخيبة الأمل التي يشعرها الجمهور إزاء “المشتركة” والتي أدت الى خسارتها ثقة الجمهور العربي.
عباس يدعي أن انحسار شعبية “المشتركة” وفشلها في تحقيق أي مكاسب مادية وسياسية لجمهورها من الناخبين العرب ما هو إلا بسبب تموضعها الدائم في معسكر المعارضة، قائلاً: القائمة العربية الموحدة اتخذت قراراها بالخروج نهائياً من دوائر الوصاية سواء من اليسار أو اليمين، فإذا كان المبدأ الوطني يفرض على القائمة المشتركة أن تبقى في جعبة اليسار الإسرائيلي فالمبدأ الديني لا يمنع المسلمين من التحالف مع من لديه الاستعداد للتجاوب مع مطالبهم الثقافية والاجتماعية حتى لو كان هذا الطرف معاد تماما لقضية الشعب الفلسطيني. فحسب قاموس النائب عباس اليمين واليسار في إسرائيل “يهود” وبالتالي هم كفار. وقد قال بأعلى صوته وبصريح العبارة: أننا على استعداد للمضي قدماً مع أي جهة سياسية كانت شرط أن تمنحنا الميزانيات لمحاربة ظاهرة العنف المستشرية في المجتمع العربي ولجلب مكاسب حقيقية للجمهور.
ما يطرحه عباس له معنى واحد ووحيد، عبر عنه بقوله “عقيدة غالبيّة مجتمعنا العربي”. هذه الجملة مفادها أن علينا الحفاظ على ما هو موجود، وعلينا ألا نزعزع عقيدة حاضرة وراسخة بقوة في المجتمع العربي اليوم. ويجب التنويه إلى أن هذه العقيدة هي التي تكرس السلطة الأبوية الذكورية، وتحافظ على العادات والتقاليد وتعلي من شأنها، وتجذّر قمع المرأة وتسلب منها حريتها في اللباس والتنقل بحرية والتعلم والعمل، وهي ذاتها العقيدة التي تتيح للرجل تعنيف المرأة تحت مبدأ الرجال قوامون على النساء وقتلها تحت ذريعة شرف العائلة.
هذه العقيدة هي التي تزيد من سيطرة العائلية على إدارة سلطاتنا المحلية وإشاعة الفساد فيها على أساس مبدأ من هو قريب من الكعكة يأكل منها. وهي التي تمنع قيام أي نشاط ثقافي من مسرح ورقص وأدب يحمل ايحاءات جنسية. ومن المفارقات العجيبة في نهج عباس المتشدق بالتمسك بالعقيدة أنه يحاول، من جهة، إبقاء الوضع الاجتماعي والسياسي كما هو عليه للحفاظ على ثوابت المجتمع الدينية، ومن جهة أخرى يهرول نحو نتنياهو بحجة الحاجة الملحة لجلب الميزانيات لحل مشكلة العنف التي هي أصلًا نتيجة حتمية لتكريس العقيدة المحافظة الابوية.
ولا تعتبر ظاهرة العنف والجريمة المستشرية في الوسط العربي سوى علامة من عوارض المرض وليست المرض نفسه، فالمرض موجود في نفس العقيدة التي تكفر اليهودي والمسيحي وتقمع المرأة وتمنع الثقافة الحرة وتكمم الأفواه والأقلام الحرة، والتي تكفر بالديمقراطية وتفرض الشريعة، لدرجة غابت فيها قيم التسامح داخل المجتمع، وليس التسامح حيال الغير فحسب، بل لم يعد يسامح الأخ أخاه وبات الأخ ضد أخته والزوج ضد زوجته والعائلة ضد العائلة الأخرى والحمولة ضد الحمولة.
زيادة الميزانيات ليست حلاً
في الواقع الحركة الإسلامية ونهجها هي سبب المشاكل التي يعاني منها المجتمع العربي ويعتبر توقعها من نتنياهو ان يحلها شيء من الغير معقول، علمًا ان نتنياهو لا مصلحة له في حلها. وها هي اليوم تنشق الحركة الإسلامية عن القائمة المشتركة تحت ذريعة التمسك بالعقيدة التي تسبب كل الأمراض التي يعاني منها المجتمع العربي.
ومن هنا فإن الميزانيات ليست حلًا في ظل الأزمة الحالية. ميزانيات أكثر اليوم يعني المزيد من التخلف واستمراراً للأزمة الاجتماعية والاقتصادية وحتى الأخلاقية والتربوية التي يعيشها المجتمع العربي. وزيادة الميزانيات بيد نفس القيادات وفي ظل هذه العقلية التي يدار فيها المجتمع العربي ستزيد من سوء الإدارة في المجالس والسلطات المحلية، لافتقارها لمبدأ الشفافية في توزيع الأموال واستثمارها.
إذا أراد المجتمع العربي القضاء على ظاهرة العنف عليه الانخراط في صفوف مجتمع حضاري ديمقراطي وعليه التحرر أولاً من عاداته وتقاليده التي تتحكم به وبأسلوب حياته. علينا ان نعمل على اجتثاث النظام العائلي من جذوره، وبالمقابل منح الفرصة لكوادر وقيادات سياسية شعبية ذات كفاءات لإدارة أمور حياتنا وشؤوننا بشفافية وديمقراطية.
فمن يدّعي بانه مع النضال ضد الاحتلال وكسب الحقوق الوطنية عليه أن يكون في طليعة المدافعين عن حقوق الإنسان وحريته بشكل عام، ومناصرة قضايا المرأة واحترام حرية اختيار الميول الجنسية، لأنه لا يمكن الفصل بين الحل المجتمعي والحل السياسي بسبب تلازم هذين المسارين. الواحد عليه أن يمشي بموازاة الآخر.
قادة القائمة المشتركة من الجبهة والتجمع لا يريدون الدخول في النقاش مع عباس لأنهم يعيشون في ازدواجية المواقف ويفضلون البقاء في ظل الثوابت الوطنية الفضفاضة. في الواقع تعتمد الجبهة رغم ادعائها “الشيوعي” والتقدمي على تحالفات مع العائلات الكبيرة في البلدات العربية وعلى تكريس الطائفية وكذلك هو نهج التجمع. ما تطرحه القوائم الأخرى في المشتركة باسم “الوحدة الوطنية” هو في الواقع شعار فارغ يكرس النظام العائلي القامع للمرأة وللشباب ولكل صوت حر.
الخيار الثالث – الموقف الديمقراطي
وما نطرحه في حزب دعم هو خطاب ثالث مغاير تماما، يشجع على إحداث ثورة بالوعي وبالنظرة للأمور من منظور أممي إنساني، عابر للقوميات والأديان والأجناس، ثورة تبدأ ببناء أرضية متينة لهذا المجتمع وتطوير الكوادر التي تحدث التغيير. المشروع الذي يطرحه حزب دعم، مشروع “النيو ديل الإسرائيلي – الفلسطيني الأخضر” يتماشى مع روح العصر ويتبنى قيم الديمقراطية والحرية.
حزب دعم يحمل رؤية تتعامل مع متطلبات المجتمع العربي بانفتاح وديمقراطية، ومن شأنها أن تُحدث تغييراً جذرياً على كافة المستويات. وهذا كله لن يتحقق من دون شراكة عربية يهودية حقيقية قائمة على أساس من التكافؤ في القوى. وما دام المجتمع العربي يعاني من الأمراض، المشار إليها آنفاً، سيبقى ضعيفاً وغير جاهز لبناء هذه الشراكة.
وللأهمية بمكان، علينا أن نطرح على أنفسنا الأسئلة، على ضوء حملتنا الانتخابية وشعارنا لكل عربي ولكل فلسطيني: هل سنبقى نراوح في المكان؟! هل سنستمر بالحياة وفق القوالب القديمة والتقاليد؟! أم سنأخذ مصيرنا وحياتنا وحياة أبناؤنا إلى منحى آخر؟ وما هو شكل المجتمع الذي نريد أن نعيش فيه؟ وهل سنلحق بركب التطور العلمي الحديث؟ وهل سنكون جزءاً من حركات تقدمية عالمية تسعى إلى تغيير واقعها السياسي والاقتصادي والاجتماعي أم سنبقى بموقع المتفرج واللامبالي؟
وهل من المعقول أن نسمح لأنفسنا كشعب بأن نكون خارج التسابق العلمي والتكنولوجي الهام ونبقى في هوامش هذا التطور الحاصل على المستوى العالمي؟ وكيف لهذا العالم أن يتماشى ويتعايش مع مجتمع مازال انفتاحه مقيد بالتقاليد والعقيدة الدينية؟! فمن المعروف والبديهي إذا لم يتمكن اثنان من السير سويةً، في النهاية سيغلب أحدهما الآخر.
حزب دعم يدعوكم إلى بناء اقتصاد مشترك أخضر للجميع، وعلى المجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني حشد الجهود معاً، لبناء منظومة تعليمية واحدة على أساس من المساواة وبناء جهاز صحة مشترك يخدم الجميع وتوفير فرص عمل مناسبة تؤمن العيش الكريم للشعبين. هذه هي أسس الاقتصاد الأخضر، والذي لن يتحقق من دون بناء حركة شعبية ديمقراطية متساوية ومن ثم بناء دولة واحدة حدودها من النهر إلى البحر.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.