الاتفاق الإطاري السوداني ما بين الترحيب والتخوين: بداية حل حقيقي أم فخ جديد للثورة؟؟

• محمد سعد خيرالله هو محلل سياسي متخصص في الشان الشرق أوسطى وكاتب رأي وعضو رابطة القلم السويدية “SVENSKA  P.E.N” المقيم في السويد

بعد بضعة أيام من الآن وتحديداً  في التاسع عشر من ديسمبر الجاري يكون قد مر على الثورة السودانية التي بدأت في( 19 ديسمبر 2018) أربعة أعوام كاملة من النضال المدني السلمي المتفرد بلا كلل أو ملل. وقد اتسمت الثورة بعزم وتصميم وأشكال راقية قمة في التفرد والعظمة، بما يعتبر طريقا طويلا من التضحيات نحو نيل الحقوق المستحقة للسودانيين، الذين استوعبوا تماما كل تجارب الثورات السابقة في البلدان العربية واستفادوا منها كامل الاستفادة.

وقد تكون أهم الدروس وأعظمها على الإطلاق التصميم على عدم حمل السلاح واعتماد السلمية كآلية وحيدة للتغيير عى الرغم من سلسلة طويلة ممتدة من الاستفزازت والمذابح والمجازر من قبل العسكريين للثوار وجماهير الشعب لاستدراجهم للجنوح واللجوء إلى العنف. إلا أن “الوعي الجمعي والأفق المعرفي كان سابقا لكتالوج الوأد العربي النظامي للثورات..” فحضر يحلق عاليا بشموخ وكبرياء ويقدم كل ما يذهل العالم ببسالة وفداء وصدور عارية في مواجهة الرصاص والخسة، والمؤامرات الخبيثة السرطانية المتفق عليها ما بين عسكر السودان ونظرائهم في العالم العربي وعلى راسهم حكام مصر “للإجهاز على الثورة”. فهؤلاء لا يريدون رؤية دولة مدنية ديمقراطية حديثة في أى من دول الشرق الأوسط فما بالنا بدولة من أهم دول الجوار!!

الحرية بالنسبة لهم “وباء” يجب مجابهته ووأده فورا بدون أدني تهاون مهما ارتكب من “جرائم ” وصلت إلى حد الانكشاف التام أمام العالم وهو ما عبرت عن تصريحات الدبلوماسيين المبعوثين الأمريكان  بامتغاص وخروج عن الأعراف والتقاليد الدبلوماسية وقبل ذلك حناجر الثوار في الميادين والشوارع والازقة والحواري السودانية.

وترجم على أرض الواقع باستبعاد مصر من كل جولات المفاوضات الحاسمة ما بين المكون المدني والعسكري والتي كانت تتم برعاية أطراف دولية ومنها دولا عربية. وللتذكير فلقد قام “عبد الفتاح برهان” الرئيس الانتقالي بزيارة الى القاهرة والتقى برئيسها  قبل ساعات من ارتكاب إحدى أبشع المجازر إن لم يكن أبشعها على الإطلاق وهي “مجزرة فض إعتصام القيادة” في الخرطوم في الثالث من حزيران عام 2019 (المجزرة التي راح ضحيتها 128 شهيد ومئات الجرحى) وكأنه كان يريد الحصول على أذن مسبق لكي تقتل قواته كما تشاء وهي مطمئنة كامل الاطمئنان من دعم الانظمة العربية المجاورة.

ثورة ثم اتفاق، أعقبه انقلاب

اتخذت الأمور من بعد فض اعتصام القيادة منحى آخر، فلقد وضح للجميع ماذا يريد بالضبط المكون العسكري وهو ما استدعى زيادة  الاهتمام الدولي ليكون بمستوى الحدث من الدول المتنفذة والفاعلة ووسط جولات المفاوضات المكوكية و في قلب زخم شارع الذي لم يهدأ الإ بتحقيق الغايات والآمال تم الإعلان عن تشكيل المجلس السيادي المشترك للمكونين المدني والعسكري في اب 2019.

خلال اكثر من سنتين مرت الحكومة المشتركة في عدة هزات وقام العسكريون برئاسة عبد الفتاح برهان في تشرين اول 2021 بانقلاب على رئيس الوزراء عبدالله حمدوك بمحاولة منهم لفرض الامر الواقع. الا أنه ومنذ أكثر من  عام استمرت المظاهرات الجماهيرية مما حال دون استقرار النظام العسكري الجديد وأدى الأمر وبعد ضغوط دولية وفرض الحصار الاقتصادي على النظام العسكري بتوقيع اتفاق جديد للتعاون بين المدنيين والعسكريين وهو الاتفاق الإطاري الذي تم توقيعه  يوم  الاثنين 5 ديسمبر.

هناك جهات ترحب، يقابلها أخرى كانت وما تزال تملك الكثير في قلب المشهد قدمت تضحيات  تحذر من تكرار مشهد اتفاق 2019 وهناك من يخوّن الذين اقدموا على الوصول الى الاتفاق الجديد مع العسكر.

مضمون  الاتفاق

النقاط الرئيسية لوثيقة الاتفاق الإطاري الجديد تتناول “المبادئ العامة للدولة، المواطنة، الموارد، البعد الجغرافي، ماهية الدولة، الجيش، قضايا ومهام الانتقال الذي يقود إلى جيش مهني وقومي واحد، التفاوض مع  كل الحركات المسلحة، إطلاق عملية شاملة تحت إشراف مفوضية صناعة الدستور، تنظيم عملية انتخابية شاملة بنهاية الفترة الانتقالية، على أن يتم تحديد متطلباتها والتحضير لها في الدستور الانتقالي، لتكون ذات مصداقية وشفافية وتتمتع بالنزاهة.

اضافة الى ذلك ينص الاتفاق على ضرورة انتهاج سياسة خارجية متوازنة تحقق المصالح الوطنية العليا للدولة وتعمل علـى تحسين علاقات السودان الخارجية وبنائها على أساس الاستقلالية والمصالح المشتركة بما يحفظ سيادة البلاد وأمنها وحدودها.

كذلك عن  هياكل السلطة الانتقالية والمجلس التشريعي الانتقالي وتكوين المجالس التشريعية الاقليمية او الولائية والمحلية، وتحديد مهامها وصلاحياتها في دساتيرها، وعدد مقاعدها وفق معايير شاملة ومنصفة لاختيار أعضائها، وتضمن أيضا دور  مجلس الأمن والدفاع الذي يرأسه  رئيس الوزراء وعضوية الوزارات ذات الصلة وقادة الأجهزة النظامية و6 من حركات الكفاح المسلح الموقعة على اتفاق جوبا على أن تحدد مهامه وصلاحياته وفق الدستور الانتقالي.

كما يحدد الاتفاق كيفية دمج بعض الأجهزة الأمنية وحظر الانشطة الاقتصادية عليها، شكل ودور جهاز المخابرات العامة، والمصالحة ما بين جميع المكونات المتصارعة.

الاطراف التي وقعت الاتفاق الاطاري

 الجهات الموقعة هي القادة العسكريين بالطبع وفصائل قوى الحرية والتغيير(مجموعة المجلس المركزي) وأبرزها حزب الأمة القومي والتجمع الاتحادي وحزب المؤتمر السوداني وحزب المؤتمر الشعبي الذي أسسه (حسن الترابي) وحركات مسلحة موقعة اتفاق سلام مع الحكومة وقوى أخرى.

أما الاطراف التي ترفض الاتفاق في صفوف القوى المدنية الثورية وهي تشمل تنسيقيات لجان المقاومة في ولاية الخرطوم التي أعلنت عن 4 تظاهرات خلال الشهر الجاري لمناهضة الاتفاق. كما يرفض الاتفاق تحالف الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية) وأبرز مكوناتها الحزب الاتحادي الديمقراطي بزعامة محمد عثمان الميرغني وحركة العدل والمساواة بزعامة جبريل إبراهيم وحركة تحرير السودان برئاسة حاكم إقليم دارفور مني أركو منادي والحزب الشيوعي السوداني والذي بدوره يقود تحالفا باسم قوى التغيير الجذري.

الغام قد تفجر الاتفاق

لم يتطرق الاتفاق إلى أربعة قضايا هامة جدا وفارقة وبرأيي هي كفيلة بتفجير أى توافق حال تجاهلها وهي: العدالة والعدالة الانتقالية والإصلاح الأمني والعسكري. وأيضا اتفاق جوبا واستكمال السلام وإعادة لجنة إزالة التمكين لتفكيك نظام البشير. كان هناك تاكيد بان هذه النقاط الدقيقة تم إرْجاءها لمرحلة الاتفاق النهائي بغرض التشاور حولها مع أصحاب وقوى الثورة وهذه العبارة تحديدا عندما أسمعها اتذكر الكثير من الجرائم التي تمت في واقعنا العربي.

إذًا نحن أمام طرفي نقيض ولكل طرف أسبابه ومبرراته فيما تم انتهاجه من سياسات والسؤال المفصلي الذي يطرح نفسه هل هي بداية حقيقية لانتصار الثورة أم فخ تم تحضيره باتقان من أجل التفريغ والوأد الكامل بلا رحمة.الأيام القادمة ستحمل لنا الإجابة. ولكن ما يطمئنني تماما هو التراكم المعرفي الهائل لدى الجماهير والضمائر الحرة والوعي السياسي للمكونات السياسية الحية التواقة للتغيير والوصول إلى دولة الحرية والسلام والمساواة التي يستحقها الشعب السوداني العظيم.

عن محمد سعد خيرالله