بيان حزب دعم عن المجزرة التي إرتكبتها حركة حماس في السابع من اكتوبر، خلفيتها وماذا تعني لمستقبل النضال لضمان حياة كريمة وآمنة للفلسطينيين والاسرائيليين على حد سواء
إن ما قامت به حركة حماس يوم 7 أكتوبر 2023 كان بمثابة جريمة ضد الإنسانية بكل معاييرها. القتل المتعمد للنساء والأطفال وكبار السن واطفال رُضَّع وحرق الجثث وقطع الرؤوس تم توثيقها من قبل المجرمين أنفسهم من خلال كاميراتهم. وجود أكثر من 200 رهينة في ايدي حماس بينهم نحو 30 طفلا ونساء ومسنين ومرضى ومعاقين ليس سوى دليلًا إضافيًا لوحشية هذه المنظمة الإرهابية.
إن سلوك حماس ومقاتلوها في هذا اليوم الأسود والاعمال البربرية التي اقدمت عليها لا علاقة لها بالحق الشرعي لشعب محتل، بمقاومة القوة المحتلة لارضه وهي بعيدة عن اخلاق حركات التحرر الوطني في العالم بما فيها حركة التحرر الوطني الفلسطيني طيلة 75 عامًا من النضال.
إذًا تتحمل حركة حماس المسؤولية الكاملة لتبعات هذه الجريمة فشريكها السياسي هو الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتانياهو والمؤسسة الأمنية التي قررت بدم بارد دعم حماس، بل وبناء هيبتها من أجل سد كل طريق لحل القضية الفلسطينية بالطرق السلمية. إن قرار أرئيل شارون بالانسحاب الأحادي الجانب من غزة عام 2005 كان هدفه عزل غزة عن الضفة الغربية وبالتالي السماح لإسرائيل بضم الضفة الغربية وافشال اية محاولة للوصول الى اتفاق سلام مع الفلسطينيين.
إن ما قام به نتانياهو من اتفاقات متكررة مع حماس والسماح بإدخال حقائب الدولارات القَطَرية شهر تلو الآخر، المعارك الحربية الدورية التي انتهت دائما “بانتصار المقاومة”، والادعاء انه لا بديل عن سلطة حماس في غزة، قد ساهمت في تحويل حماس الى المُمثّل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني على حساب السلطة الشرعية وهي منظمة التحرير الفلسطينية.
وإذا كان “استقلال القرار الفلسطيني” أحد المبادئ الأساسية لمنظمة التحرير الفلسطينية الا أن ما قامت به حماس الآن كان عملية بحتة لخدمة نظام اقليمي لا يرى بالفلسطينيين أكثر من ورقة تفاوض تحميه من أعدائه الخارجيين والداخليين. عملية حماس جاءت لصالح النظام الإيراني الاصولي الاستبدادي الذي يستغل النزاعات الطائفية في العالم العربي حتى دمَّر كُلاًّ من لبنان وسوريا والعراق واليمن فهو الذي يقف وراء المغامرة الخطيرة والمدمرة لحماس السبت 7 اكتوبر.
اقتراف حلفاء إيران للجرائم الهمجية ضد الإنسانية ليس امرًا غريبًا او جديدًا، اذ أقدم النظام السوري وحزب الله في سوريا على اقتراف مجازر عديدة بحق السوريين والفلسطينيين أشهرها الهجوم الكيماوي على غوطة الشرقية في دمشق عام 2013 والحصار التجويعي الوحشي على سكان مخيم اليرموك الفلسطيني وتهجير وذبح سكانه. في حينه وقفت حركة حماس ضد النظام السوري وقطعت علاقاتها بايران لكن سرعان ما غيرت جلدها وقامت قياداتها بزيارة دمشق وتصالحت مع النظام المجرم على طريق إعادة علاقاتهم بإيران وكل ذلك في سبيل خدمة المصلحة الضيقة لهذا التنظيم بعيدا عن المبادئ وعن مصلحة الشعب الفلسطيني.
إن الصراع الدائر بين إسرائيل وحماس يقع في إطار الصراع الكوني اليوم بين معسكر الاستبداد بقيادة روسيا، إيران، الصين وحلفائهم في العالم وبين معسكر الديمقراطية التي تقوده الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا وآسيا. إن دعم أمريكا لإسرائيل هو خدمة للأمن القومي الأمريكي قبل كل شئ. ويقف الرئيس بايدن على رأس المعسكر الديمقراطي دفاعًا عن الديمقراطية في أمريكا أمام خطر الفاشية وممثلها منافسه دونالد ترامب. وقد قام المعسكر الاستبدادي بقيادة بوتين، شي جين بينغ، فيكتور أوربان وحتى بنيامين نتانياهو نفسه بدعم ترامب والفاشية الامريكية لضرب النظام الديمقراطي الأمريكي من الخلف. إدارة بايدن تقف بالمرصاد ليس ضد الأعداء من الداخل بل ضد كل من يدعمهم من الخارج.
إن التحالف بين روسيا وإيران هو محور إجرامي يقوم منذ فترة بإقتراف جرائم ضد الإنسانية، فما قام به الروس والإيرانيين في سوريا من مذابح وتعذيب واغتصاب وتدمير كان بمثابة حرب الإبادة على الشعب السوري راح ضحيتها أكثر من نصف مليون مواطن وتم تشريد وتهجير سبعة مليون عن الوطن وملايين آخرين أصبحوا لاجئين في بلادهم. ان اللّامبالاة من قبل المجتمع الدولي لما حدث بسوريا منحت الضوء الأخضر لبوتين بغزو اوكرانيا وارتكاب أبشع الجرائم ضد الانسانية في بلدة بوتشا وغيرها.
إن تصرف الروس في أوكرانيا يشبه بما قام به مسلحو حماس بحق المواطنين الإسرائيليين الأبرياء الان. واعتمدت إسرائيل، خلال سنوات طويلة من الثورة في سوريا، موقف المتفرج باعتبار أن الحروب الداخلية في هذا البلد وتفكيك الدولة السورية سيصب في جدول مصلحتها. اتفاق أوباما/ بوتين عام 2013 بخصوص تفكيك السلاح الكيماوي السوري الذي منح الاسد الشرعية لمواصلة المجازر بطرق أخرى كان في جوهره لمصلحة إسرائيل حيث اعتقدت السلطات الاسرائيلية أن بقاء الاسد الضعيف في السلطة سيخدمها. المفارقة الكبرى كان رفض إسرائيل خلال السنة والنصف الاخيرة اتخاذ موقف واضح إزاء حرب أوكرانيا ودعم الرئيس بايدن رغم أنّ أمريكا تضع كل ثقلها الاستراتيجي والسياسي في هذه المعركة المصيرية وحددت مهمة الدفاع عن اوكرانيا كمهمة استراتيجية. ان إسرائيل الرسمية تقف موقف الحياد أمام الغزو الهمجي الروسي وتحافظ على علاقاتها مع بوتين بتحدّ واضح لواشنطن.
وقد هزت المجزرة الرهيبة، التي ارتكبتها حماس، الكيان الأمني، الاجتماعي، الاقتصادي والسياسي الإسرائيلي، كونها جاءت بشكل مفاجئ وبثّت الرعب في صفوف الجمهور الإسرائيلي الذي فقد الثقة في القيادة السياسية والمؤسسة الأمنية التي وعدت بحماية المواطنين من خلال التفوق العسكري والتكنولوجي. وقد هرع البيت الأبيض الى التدخل الفوري من أجل انقاذ إسرائيل من خلال نشر ناقلات الطيران الضخمة لردع أي تدخل من إيران في المنطقة. وقامت أمريكا بتزويد إسرائيل بالسلاح ومنحت 14 مليار دولار لإنقاذ الاقتصاد، وهذا ليس حُبًّا في إسرائيل بل من أجل إنقاذ الجبهة المضادة لمحور روسيا – إيران من الانهيار مثل ما صرح به الرئيس بايدن في خطابه الى الامة الامريكية.
وقد استغلت حماس الصراع الداخلي في إسرائيل بين الحكومة الفاشية بقيادة نتانياهو، بن غفير وسموتريتش وبين حركة الاحتجاج التي عارضت الانقلاب على النظام القضائي من أجل مباغتة إسرائيل. فحركة حماس مثل كل الحركات الاستبدادية ترى في الديمقراطية نقطة ضعف. أن الصراع الدائر في أمريكا بين أنصار ترامب والحزب الديمقراطي يخلق شعور بعدم الاستقرار المزمن على خلاف ما يحدث في الصين، روسيا وإيران بإعتبارها أنظمة تحافظ على الاستقرار من خلال قمع كل جهة معارضة لها. أما المنطلقات الدينية المتطرفة لحماس تقودها الى الفكر بأن المجتمع الليبرالي في إسرائيل هو في الواقع مجتمعًا إستهلاكيًا وأباحيًا لا قيم له ولا مبادئ ويقدس الحياة والبذخ على الموت، هذه كلها بالنسبة لحماس صفات لضعف المجتمع في مقابل قوة وصلابة المجتمع الفلسطيني المحافظ المتدين الذي تتم السيطرة عليه بقوة القمع والارهاب والذي يقدس الشهادة في سبيل الله.
إن هذا الاستهتار بالقيم الإنسانية، بالديمقراطية، بالليبرالية بالشعارات التي رفعت في المظاهرات التي طلبت بإسقاط الفاشية في إسرائيل، هي التي قادت الى هذه الجريمة النكراء ضد الإنسانية. وقد بقت الجماهير الفلسطينية بعيدة عن حركة الاحتجاج بذرائع مختلفة، تارةً، ترى بأنها مشكلة داخلية لا تمس بالعرب، وتارة أخرى بانها تريد ديمقراطية “لليهود فقط”. هذه الحركة الديمقراطية تعتبر بالنسبة لحماس دليلًا على هشاشة المجتمع الإسرائيلي، ففي غزة تقمع كل معارضة بقوة السلاح.
وترى حركة الاحتجاج ان الديمقراطية لا تتماشى مع ايدولوجية المستوطنين، والفاشيين والمتدينين المتزمتين. فهي مبنية على مبدأ الديمقراطية، فصل السلطات التنفيذية، التشريعية والقضائية، المساواة بين يهود وعرب وبين رجال ونساء والمثليين، الفصل بين الدين والدولة، عدالة اجتماعية وهذه مبادئ معاكسة لما تدعو لها حركة حماس.
إن جريمة حماس قد وضعت إسرائيل ولأول مرة أمام وضع لم تكن أمامه من قبل إذ اعلنت حماس: يا نحن يا أنتم. يا حماس يا إسرائيل، يا قاتل يا مقتول. وقد تتلاقى إسرائيل الدعم الكلي من المعسكر الديمقراطي المتمثل في الولايات المتحدة والدول الاوربية الحليفة، وقد تستعمل إسرائيل كل جبروتها العسكري من أجل اجتثاث حماس من غزة لأنه بعد أحداث السابع من أكتوبر لا يمكن لإسرائيل أن تسمح بوجود منظمة إرهابية تعلن وتعمل على أساس القضاء عليها في جوارها. وقد اخذت حركة حماس سكان غزة رهينة لها. ويختبئ عشرون ألف مجند حمساوي وراء 2.2 مليون نسمة ليس لهم أي ملاذ، ملجأ، أو أي قوة تحميهم من قصف ودمار الجيش الإسرائيلي، فالاختباء في الانفاق ليس استراتيجية تؤخذ بالحسبان مصير وسلامة المواطنين.
حماس تراهن اليوم على الضغط الذي تمارسه الدول العربية والرأي العام العالمي، المتأثر من صور الدمار الرهيب في غزة، على اسرائيل. وتآمل حماس أنه سيؤدي الى وقف الهجوم الاسرائيلي والعودة الى الاتفاق بين حماس واسرائيل مثلما كان في نهاية الجولات السابقة عام 2009 و-2012 و-2014 و-2021. الاسلوب واضح لكل من يريد أن يفهم الاستراتيجية الفاشلة أخلاقيًا وسياسيًا التي اعتمدتها حماس. ففي رأي حماس مجرد إطلاق الصواريخ أو القيام بهجوم على اسرائيل يمنحها الهيبة المحلية والعالمية كقيادة “للمقاومة” والثمن الباهظ الذي يدفعه أبناء وبنات الشعب الفلسطيني في غزة جراء هذه الاعمال لا قيمة له ولا أهمية لان المهم هو أن تبقى راية الاسلام الجهادي ترفرف.
أما في إسرائيل، ورغم الشعور بالخطر الوجودي والشعور بالاستياء العميق مما قامت به حماس، فحركة الاحتجاج لم تنضم الى “الاجماع الصهيوني” ولم تنادي بالوحدة بل كثفت من نقدها ومعارضتها للحكومة الفاشية مثل ما عبرته الرهينة المسنة يوخيفيد ليفشيتس التي تم الافراج عنها من الأسر والتي حملت نتانياهو المسؤولية عمّا حدث في 7 أكتوبر الأسود. وقد تجندت حركة الاحتجاج لمساندة متضرري الحرب المدنيين، وتعمل كل ما في وسعها لدعم الحرب على حماس.
إن القضاء على حماس ومعه التيار الفاشي في إسرائيل أصبح مهمة استراتيجية لحركة الاحتجاج. أننا نرى في هذا الموقف بارقة أمل في إمكانية الوصول لحل سلمي للقضية الفلسطينية على أساس المبادئ الأساسية التي تتمسك بها الحركة الديمقراطية في إسرائيل.
أننا في حزب دعم نقف مع هدف حركة الاحتجاج: أولا القضاء على حماس وثانيا القضاء على حكومة نتنياهو الفاشية في إسرائيل.
إن ما قامت به حماس بتعبئة الشعب الفلسطيني على أساس شعارات كاذبة وأولها “الأقصى بخطر” ومنع أي تواصل بين الإسرائيليين والفلسطينيين بحجة “التطبيع”، قد ساهم في تقوية اليمين الفاشي في إسرائيل وكل هؤلاء الذين استفادوا من الانقسام الداخلي الفلسطيني. نحن نحارب الميول والاصوات الاسرائيلية التي تُحمّل كل عربي فلسطيني مسؤولية جرائم حماس وتنادي بتدمير غزة ومعاقبة الشعب الفلسطيني. الحرب ضد حماس ليست حربًا ضد الشعب الفلسطيني إذ نرى بالعمال والعاملات والمواطنين في غزة والضفة الغربية والقدس وكذلك المواطنين العرب الفلسطينيين داخل إسرائيل شركاء لبناء مجتمع حضاري ديمقراطي خال من الكراهية والعنصرية – من طرف اليهود للعرب ومن طرف العرب لليهود.
إن توحيد القوى الديمقراطية الإسرائيلية والفلسطينية على أساس برنامج مدني مشترك والانضمام الى المعسكر الديمقراطي الذي يقوده الرئيس بايدن، ضمن دولة واحدة ديمقراطية هو الذي سيضمن الآمن والحرية والمساواة لكل قاطني الإقليم بين نهر الأردن والبحر وهو الضمان للسلام والرفاهية لكلا الشعبين.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.