في اليوم الأول من شهر أبريل الحالي، وفي زحمة ما بعد الجنون التي تجتاح الشرق الأوسط،صحوت من نومي على فاجعة رحيل الروائي المبدع العظيم سامي ميخائيل، جلست أتأمل عبثية الأقدار سبتها عاتبتها و تشاجرت معها بعلو الصوت، كنت أتوق إلى لقائة. تمنيت من أعماق قلبي أن أمتلك قدرة سحرية على إعادة النبلاء إلى الحياة وفورًا.
منذ فترة طويلة رتبت أموري على زيارة إسرائيل في نهاية ديسمبر 2023 أو خلال يناير من العام الحالي 2024 على أقصى تقدير، وجاءت الأحداث الإرهابية في السابع من أكتوبر، والتي تبعتها الحرب لتعصف بكل خططي. كنت قد أعددت قائمة بمن سأطلب لقائهم بمجرد وصولي وعلى رأس القائمة بالطبع المبدع الاستثنائي سامي ميخائيل. كنت أود أن أحكي معه عن “مرارة نتشاركها” وأعني مرارة الخروج القسري من الأوطان، والتي تظل دائمة مستمرة ممتدة لا تفارق ولا تبارح حلق من يجربها طوال حياته.
غيرت الحرب ما رتبت له. أجلت السفر. رحل الفارس الشجاع سمير مارد قبل أن يتحقق اللقاء، تباً لهذا الصراع والذي تريد له جماعات المصالح والاجندات الهذيانية وأوهام أستاذية العالم، أن يكون صفرياً عبثياً وبامتياز، إن لم تكن تلك الأحداث وهذه الحرب لكنت التقيته.
فكرت في عمل حلقة على منصاتي للحديث عنه، مع أحد المقربين منه وساعدتني الناشطة الإجتماعية سمادار العاني والإعلامية ليندا منوحين الإسرائيلتين عراقيتين الأصل، كأبن بلدهما المبدع الراحل على إيصالي بالبورفيسور يوسي يونا أحد أقرب أصدقاء سامي ميخائيل وشقيق زوجته. كان صوت سمادار يقطر ألم على فراقه، للدرجة التي منعتني من طلب كلمة يتضمنها هذا المقال.
أما ليندا فلقد كتبت لي عنه الكثير والكثير في رثائه سأقتبس مما كتبته الفقرة التالية “كان أول يهودي في اسرائيل يتطرق الى معاناة اليهود في العراق بعد الفرهود في 1941 عندما تعرض اليهود وهم سكان بلاد الرافدين الأصليين لإعتداءات على مدى يومين انتهت بعشرات القتلى وآلاف الجرحى ..صور عندما كتب بالعربية في بداية عهده هذه الأحداث المروعة التي كانت منحى في تاريخ يهود العراق الذين شعروا بخيبة أمل كبيرة بعد آمال جسيمة بمواصلة العمل”.
وانا أميل الى اقتباس “أمير وثائر”، صفتين أطلقها عليه الناقد الأدبي، البروفيسور يغئال شوارتز، الكتاب الذي قام بتحريره لأعمال سامي ميخائيل الأدبية والعلمية باعتبار إنه كان أميرًا أدبيًا ترك بصمته على الأدب العبري وثائرًا واعيًا اجتماعيًا طوال حياته وعمله” إلى هنا أنتهى الاقتباس.
تحدثت مع البروفيسور يوسي يونا شقيق زوجة الراحل العظيم وبالمصادفه كانت الزوجة المكلومة إلى جواره، قدمت لها التعازي، واتفقت معه على عمل حلقة للحديث عن أعمال وابداعات سامي ميخائيل. أذيعت الحلقة والتي لم يبخل فيها يوسي بأي معلومة وكان شديد التأثر، ملم بكل تفصيلة تم السؤال عنها.
ولكن كانت هناك أسئلة، الأجوبة عليها بالنسبة لي تعني توقيع سامي ميخائيل. كنت أريد أن اسأله مثلا عن تجربة انضمامه لحزب “توده” في إيران من بعد الخروج القسري من العراق، ثم بعد سنوات طويلة خروجه النهائي من الشيوعية بعد تقييمه بأن الحركة قد تخلت عن مبادئها الإنسانية لأنها أصبحت، طبقا لوجهة نظره، نظرية بشكل مفرط، ولتبريرها الانقلابات العسكرية التي أنشأت أنظمة دكتاتورية تحت ستار “معاداة الإمبريالية” ولتحول الاتحاد السوفييتي من أيديولوجية عالمية إلى سلوك قوة عظمى، مع إعطاء الأولوية للإيديولوجية على الأفراد فهل كان يتوقع أن يتجاوز الزمن ذاته للشيوعية؟؟
كنت أريد أن استفسر منه عن ارتباطه بالمبدع المتميز إميل حبيبي وعن علاقته الإنسانية بأديب نوبل نجيب محفوظ بعد قيامه بترجمة الثلاثية “بين القصرين/ قصر الشوق/ السكرية”. وأن أسأل عن ثنائية المكان والزمان في رواية “فكتوريا” التي بدأ يكتبها في كوخ حديقته في مدينة معلوت (شمال اسرائيل)، وعندما باع المنزل وعاد إلى حيفا، لم يكمل كتابه، لذلك طلب من المشتري السماح له بالاستمرار في العيش هناك حتى انتهى من كتابتها ودفع إيجاره كاملاً، وهي الرواية التي كلما قرأتها، تنقلني إلى عالم آخر. كنت أريد أيضا أن يروي لي تفاصيل كتابة “الماء يعانق الماء” وأثر وظيفته على تفاصيلها وأن يسرد كواليس “حفنة من الضباب” ويحدثني باستفاضه عن دوره كرئيس جمعية حقوق المواكن في إسرائيل، وعن نظرته في مؤلفاته للأطفال ومن أين أستلهم أفكار مسرحياته، الأسئلة والاستفسارات التي كنت أود طرحهما عليه لا تنتهي.
فوداعا للرجل الذي قال عن نفسه إنه إسرائيليًا، وقع في حب الأرض، والمناظر الطبيعية، وقال أيضا والدتي البيولوجية هي العراق وأمي بالتبني هي إسرائيل، أنا انتمي إلى كليهما.
لروحه العطرة السكينة والسلام والمحبة، وعلى أمل اللقاء في مكان آخر.
تنويه تم نشر المقال باللغة العبرية في جريدة “إسرائيل هيوم ” يوم الأربعاء 24 أبريل.
“عن الكاتب”
محمد سعد خيرالله من مواليد اسكندرية في مصر وهو مقيم حاليا بالسويد كلاجئ سياسي نتيجة لمعارضته لنظام العسكري في مصر. خير الله هو محلل سياسي متخصص في شؤون الشرق الأوسط والحركات الإسلاموية. كاتب رأي عضو في رابطة القلم السويدية .
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.