التقرير السنوي للمجلس القومي لسلامة الطفل

كشف التقرير السنوي للمجلس القومي لسلامة الطفل عن معطيات خطيرة حول ارتفاع نسبة الفقر بين الأولاد لتصل الى نحو 35% من عدد الأولاد، وبالأرقام يصل عدد الأولاد الفقراء الى 905 آلاف ولد. يشير التقرير الى ان هذه الزيادة تشكل ارتفاعا في نسبة الفقر بين الأولاد بأربعة أضعاف خلال الثلاثين عاما الأخيرة. يلاحظ التقرير ايضا أن نسبة الأولاد الفقراء من العرب تصل الى نحو 66%، أي ثلاثة اضعاف نسبتهم بين الأولاد اليهود التي تصل الى نحو 24% يعيشون تحت خط الفقر.

معطيات مؤسسة التأمين الوطني حسب المدن تشير الى ان نسبة الأولاد الفقراء في الناصرة تصل الى نحو 73% بينما تصل في بني براك (التي يسكنها يهود متدينون) الى نحو 63%، في اشدود 41% وفي حيفا نحو 23%.

لا شك ان هذه المعطيات تكشف الكثير عما حدث في اسرائيل في الثلاثين عاما الأخيرة، منذ اتباع اسرائيل لسياسة الرأسمالية العنيفة، التي خصخصت المنشآت الحكومية، دمرت العمل المنظم، وفضلت التشغيل من خلال المقاولين وشركات القوى البشرية، استوردت العمالة الاجنبية الرخيصة على حساب تشغيل العمال المحليين وخاصة العرب، ونقلت الشركات الصناعية الى دول الايدي الرخيصة مثل الاردن والصين، وحرمت العمال المحليين من العمل الكريم. واذا كان العرب اول من دفع ولا يزال يدفع ثمن هذه السياسة الاقتصادية فالواضح ان آفة الفقر انتشرت ايضا الى بلدات يهودية عديدة.

لا يمكن فهم المعطيات الخاصة بالمجتمع العربي داخل اسرائيل بمعزل عن التمييز العنصري على خلفية الانتماء القومي. التمييز الذي يطال كل مناحي الحياة، يصبح وجوديا خاصة بما يتعلق بالحق بالعمل. نسب البطالة في الوسط العربي عالية، معظم قطاعات العمل مغلقة امام العرب، والفرص المتاحة للتشغيل الجماهيري تقع في نطاق العمل من خلال المقاولة او شركات القوى البشرية. انعدام المناطق الصناعية والمواصلات العامة ورياض الاطفال هي سياسة متعمدة لخلق البطالة والفقر في الوسط العربي، ترافقها سياسة منهجية لسن قوانين عنصرية ضد العرب لتكريس تهميشهم.

تبعات هذه السياسة تبدو بوضوح بكل ما يتعلق بنسبة مشاركة النساء العربيات في سوق العمل، والتي لا تزيد عن 22%، بمعنى ان 78% من النساء العربيات لا يشاركن في سوق العمل اطلاقا. في وضع كهذا يقل دخل العائلة عن خط الفقر الذي يعادل 4001 شيكل لعائلة مكونة من فردين (ولي امر وولد)، او 5301 شيكل لثلاثة افراد (ولي امر وولدين، او زوج وولد) على الاقل. الدولة تعترف بهذه الازمة بين النساء ولكنها تفضل التهرب من مسؤولياتها خلق اماكن عمل لهن، بالادعاء الواهي ان العادات والتقاليد هي التي تمنع النساء العربيات من العمل.

بعد الانتخابات تنوي الحكومة تقليص 20 مليار شيكل في ميزانيتها، من خلال زيادة في الضرائب ورفع الاسعار وتقليص الخدمات الاجتماعية. ويعني هذا ان الفقراء سيزيدون فقرا عربا كانوا ام يهودا، والأولاد الفقراء سيزيدون جوعا، وشرائح اضافية من الطبقات الوسطى ستتهاوى الى ما تحت خط الفقر.

الرأسمالية والعنصرية هما وجهان لعملة واحدة وتعبير عن سياسة واحدة تقود المجتمع الى الهاوية. السبيل الوحيد لمواجهة الفقر يكون بتغيير سلم الاولويات، تقليص الميزانية الضخمة لوزارة الأمن وتفكيك المستوطنات التي “تشفط” ميزانيات هائلة على حساب رفاهية المواطنين وتعمّق بيد أخرى الصراع وتقتل فرص السلام العادل، مطلوب فرض ضرائب على اصحاب رؤوس الاموال الكبار، تشجيع التشغيل وخلق فرص عمل، وقف استيراد العمالة الاجنبية المستعبدة، القضاء على ظاهرة التشغيل بالمقاولة وتفضيل البلدات العربية وبلدات التطوير اليهودية على حساب المركز.

في النضال ضد هذه السياسة خرجت الجماهير اليهودية الى حراك شعبي احتجاجي كبير في عام 2011، مما يشير الى عمق الأزمة قطريا وليس في المجتمع العربي فقط. هذا يمثل بلا شك نقطة تلاقي بين المجتمعين اليهودي والعربي حول قاسم مشترك عريض اساسه تغيير السياسة الاقتصادية التي يقع ضحيتها كلا المجتمعين، وهو وقفة واضحة ضد اليمين الذي يخدم اقتصاد رؤوس الاموال وفرصة لبناء يسار اممي يقف سدا ضد العنصرية.

 

عن