نشر في كل العرب
الوحدة بين نتانياهو وليبرمان التي أثمرت عن القائمة المشتركة “الليكود بيتنا” أكدت خطأ التقديرات بان الانتخابات محسومة مسبقا لصالح نتانياهو. جاءت “ضربة المعلم” هذه من موقع ضعف، فقد رأى نتانياهو حلم الفوز بولاية اضافية يتحول الى سراب كلما ازداد رواج التوقعات حول إمكانية عودة اولمرت، درعي، ليفني ورامون للسياسة، تماما كما تقوم العنقاء من الرماد. هذا الرباعي غير المرح والذي لا يقل حنكة ودهاء عن نتانياهو، يمكنه ان يتحالف مع ليبرمان وشاس المعدّلة بعودة درعي، ويبعثه لمقاعد المعارضة ليجفّ هناك ويتقلص على مدار أربع سنوات طويلة. ولكن نتانياهو الذي ذاق حلاوة السلطة لا يريد التنازل عنها بأي حال.
ولكن المحفّز الأخير الذي دفع نتانياهو للإسراع بإعلان زواجه من ليبرمان كان استقالة الوزير كحلون. وإذا كان استطلاع الابارتهايد الذي نشر في هآرتس قد سرق الأضواء، إلا ان أنظار نتانياهو وقعت على العنوان السياسي الخطير الذي نشرته “يديعوت احرونوت” في نفس اليوم، وفيه حذّر كحلون المستقيل من إمكانية خسارة الليكود للحكم بسبب الأزمة الاقتصادية.
المعنى من هذا التصريح هو أن الحراك الاحتجاجي قد أثر على الساحة السياسية، رغم كل الادعاء بأن الحراك لم يجلب أية منفعة. فأجندة الحملة الانتخابية هي اجتماعية اقتصادية ومشاكل غلاء المعيشة، واحتمالات الدخول في ازمة اقتصادية اعمق قد تضطر الحكومة لإعلان خطة تقشفية وأجراء تقليصات وفصل عمال وموظفين. هذه المخاوف تشحن الأجواء العامة بشعارات ضد نتانياهو، لدرجة تجعل كحلون يطلق تصريحه وتبعث نتانياهو لمهمة البحث عن منقذ.
ليبرمان الذي عرف قدره في نظر نتانياهو، رفع السعر. لم يكتف بنوع الوحدة التي كانت ملائمة في الانتخابات السابقة عندما تنافست ليفني ونتانياهو على دعمه للمشاركة في ائتلاف برئاسة أحدهما، وبكلام آخر لم يكتفي بالغزل، بل أراد الالتزام والزواج بين الحزبين.
أعرب كثيرون عن استيائهم من اتفاق الوحدة الذي تم تمريره بسهولة متناهية في مؤتمر الليكود. فقد رأى البعض انه قد يُفقد الحزب بعض مصوّتيه من المحافظين الشرقيين الذين لن يروق لهم التصويت لآكلي لحم الخنزير وداعمي الزواج المدني الروس، وقد تذهب أصواتهم لحزب شاس. ويرى البعض الآخر من “المعتدلين” في الليكود أمثال مريدور وايتان، ان الوحدة مع صقر يميني يجري التحقيق في تورطه بقضايا جنائية مثل ليبرمان الذي يتفنن في إثارة المشاكل مع كل دول العالم، قد يقيّد الليكود ويضيّق هامش المناورة السياسي. ويرى قسم ثالث بأن نتانياهو منح ليبرمان إمكانية السيطرة على الحزب. وهناك من يخشى من الثقافة السياسية التي يأتي بها ليبرمان والتي تعتبر الديمقراطية نوعا من الكماليات التي لا داعي لها.
هذا النوع من المساومات يكرر نفسه في اسرائيل التي تعاني من وضع تتنافس فيه ثلاث قوائم كبيرة، منها اليمين او المركز او ما يدّعي كونه يسارا، بينما هي لا تختلف عن بعضها في الامور الجوهرية، سواء بالموقف الاستعلائي من الفلسطينيين وتكريس الاستيطان كشرط للمفاوضات او في اتباع سياسة السوق الحرة والخصخصة. هذا الوضع يسمح للأحزاب الفئوية الأصغر، مثل المتدينين او الروس، بالدخول مع الاحزاب الكبرى في نوع من عملية البيع والشراء سعيا عن مكان في الائتلاف.
ولكن ما الرسالة من وراء هذه الوحدة؟ وماذا تنوي زعيمة حزب العمل ان تفعل ازاءها؟ وكيف رد العرب على الموضوع؟ رسالة الوحدة واضحة، نتانياهو يتجه اكثر فأكثر إلى اليمين المتشدد العنصري المكشوف، والرسالة للشعب الفلسطيني في حال نجاحه هي الختم بالشمع الأحمر على أوهام المفاوضات، ودق المسمار الأخير في نعش السلطة الفلسطينية الموشكة على الإفلاس أصلا. هذه الوحدة ستزيد من حدة المواجهة مع الادارة الامريكية (خاصة اذا فاز اوباما) والتي تريد ان ترى حلولا وتقدما في الموضوع الفلسطيني؛ الرسالة الثانية هي صفعة للحراك الاحتجاجي، وإنذار بالمزيد من التقليصات من جهة، ومحاولة فظة لحرف الأنظار عن الاجندة الاجتماعية الاقتصادية الى الاجندة الامنية الحربية.
هل يعني هذا ان شيلي يحيموفتش، رئيسة حزب العمل، تدرك فرصتها في طرح بديل سياسي سلطوي؟ الاجابة هي كلا. حزب العمل هو حزب سلطة وهو يريد ان يكون في الحكومة ولكن مشكلته انه بلا زعيم او زعيمة مؤهلة لمنصب الرئاسة. الائتلاف العلماني اليميني الذي يمهد له نتانياهو يفسح المجال لدخول حزب العمل وايضا حزب يئير لبيد الجديد. فالبرنامج السياسي الذي أعلنته يحيموفتش لا يختلف عن برنامج نتانياهو، ومحوره مطالبة الفلسطينيين بالاعتراف بالدولة اليهودية أولا ثم التفاوض دون تجميد المستوطنات. كما انها صرحت بانها تؤيد سياسة السوق الحرة ولكنها تريدها أكثر رأفة بالمواطن. بمعنى هناك احتمال وارد ان نرى حكومة وحدة تشمل حزب العمل والليكود بيتنا، وزعيمة العمل لم تلغ هذا الاحتمال.
رد فعل العرب الذي يتهم الحكومة بأنها ذاهبة لحرب ضد العرب، لا يورد الصورة الكاملة. ان هذه الحكومة اليمينية المتطرفة التي تتشكل على اساس رفض السلم مع الفلسطينيين من جهة، والاصرار على سياسة الخصخصة التي تدعم النخبة على حساب رفاهية الاغلبية، ستعجز عن مواجهة الازمتين الماثلتين امامها واللتين من المتوقع ان تنفجرا بعد الانتخابات: احتمالات سقوط السلطة الفلسطينية من جهة، واحتمالات متزايدة للدخول في ازمة اقتصادية خانقة وارتفاع نسبة البطالة. وبالتالي ستزداد احتمالات انفجار الغليان الشعبي الى الشوارع مجددا. وهنا دورنا كعرب كبير جدا، خاصة اننا سنكون كما نحن الآن وكما كنا دائما اول المتضررين.
دورنا ان نميّز شركاءنا في الشارع اليهودي، المستائين بشدة من هذه الوحدة، والذين سيزيدون استياء اذا دخل حزب العمل للحكومة. شركاؤنا هم اولئك الذين يرفضون العنصرية لأنهم يخشون على ما تبقى من الديمقراطية ويرفضون الخصخصة التي تصادر حقهم في العمل الكريم وفي خدمات الرفاه المختلفة. سيكون دورنا ان نمدّ أيدينا الى أيد ممدودة إلينا، لأننا نتخبط في نفس المستنقع ولأننا نلتقي في قسيمة الأجر التي هي شهادة شهرية على استغلالنا وانتهاك حقوقنا، ولأن الثقافة التي يمكن ان نجلبها معا يمكن ان تكون بادرة جديدة لشراكة عربية يهودية حقيقية.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.