الواقع الإقليمي الكارثي وحتى مع وضعية المواطنين العرب داخل إسرائيل التي، وعلى نقيض ما تم في جنوب أفريقيا، تتمتع بحقوق مدنية بالرغم من التمييز الممنهج القائم ضدها. وفي المناطق المحتلة نحن أمام واقع معقد حيث وافقت القيادة الفلسطينية على اتفاق أوسلو، وإذا كان هناك أبرتهايد فهو برعاية المجتمع الدولي وبرعاية روسية وأمريكية، وبدعم من الدول العربية نفسها. إننا أمام احتلال “شرعي” والذي نقل السيادة على الإنسان الفلسطيني إلى السلطة الفلسطينية وأبقى السيادة على الأرض بيد إسرائيل.
إننا نتعامل مع الحل السياسي من منطلق رؤيتنا للعالم كوحدة اقتصادية في عهد العولمة، فما نراه من مظاهر سياسية قومية متطرفة كما هو الحال في أمريكا، روسيا، بولندا أو المجر، أو نهوض اليسار الراديكالي مثل الحركة الداعمة للسيناتور برني سندرز في أمريكا، أو تيار اليسار في حزب العمل البريطاني الذي يدعم جرمي كوربين، له رديفه في إسرائيل بنهوض اليمين القومي الديني الصهيوني من ناحية، ومن الناحية الأخرى، بلا شك، ظاهرة الإسلام السياسي والجهادي. فما نعيشه اليوم هو مرحلة جديدة من سيرورة النظام الرأسمالي في عهد ما يسمى “الثورة الصناعية الرابعة” وهي ثورة الإنترنت التي غيّرت بشكل جذري قوانين اللعبة الإقتصادية. وقد أدت هذه الثورة إلى تغيير في طرق خلق القيمة، وفقدان الماكنة والإنتاج اليدوي دورهما كمصدر للربح لتأتي مكانهما شبكات التواصل الاجتماعي والإقتصادي مثل فيسبوك، أمازون، غوغل، آبل وميكروسوفت كمحرك رئيسي لخلق الربح، الأمر الذي أدى إلى تغيير في شكل ومكان الطبقة العاملة لدرجة أن الحنين إلى الماضي الذي يمثله دونالد ترمب ووعده بإعادة أماكن العمل القديمة لا يمكن أن يتحقق.
إن الفكر الطوباوي حول إعادة الخلافة الإسلامية، أو السعي إلى فلسطين ما قبل سنة 1948، أو السعي إلى فرنسا دون المغاربة، أو إعادة بريطانيا الكبرى من خلال ما يعرف بـ”البريكسيت” ليس سوى رد فعل للواقع الإجتماعي الذي خلقته الثورة الصناعية الرابعة والتي ركزت الثروة في أيدي قليلة جدا وجردت العامل من مصدر رزقه الذي ضمن خلال عقود طويلة رفاهية عائلته والأمان له ولأولاده. ولا يمكن فهم انفجار الربيع العربي دون الإنترنت ومعه بداية شبكات التواصل الاجتماعي من فيسبوك وتويتر، وقد كسر الفيسبوك الإحتكار الإعلامي وجمع بين الشباب الثوار حتى تمكنوا من إسقاط الأنظمة في أكثر من بلد.
وقد أعلن الربيع العربي قدوم حقبة تاريخية جديدة، حقبة تفقد بها الدول والأنظمة الحاكمة من قوتها لصالح الإحتكارات العملاقة التي نشرت نفوذها في شتى أنحاء العالم بل وأصبحت أقوى اقتصادياً من الدول نفسها. إن التنقل السريع للمعلومات شجع الإختراعات العلمية التي تم تطبيقها في مجال الإنتاج نفسه، فالكومبيوتر يستبدل الإنسان في الكثير من المجالات بما يسمى العقل الاصطناعي أو استبدال اليد العاملة عن طريق الروبوت. إن التقدم في الإختراعات في مجال الطاقة المتجددة، السيارة الكهربائية والسيارة ذاتية القيادة، سوف تفتح المجال لاستبدال السواقين وتتكشّف عن أُفق جديدة في عالم النقل وستبدل السيارة الخاصة.
أين الأنظمة الرجعية مثل السعودية أو مصر أو الأردن من هذه الثورة في الإنتاج؟ ماذا تعني بالنسبة لها هذه الثورة
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.