الصناعية التي ستبدل النفط والكثير من الوظائف التي يشغلها مواطني هذه الدول؟ إن النظام السعودي يفهم بأن أيام النفط كمصدر للثروة قد تنتهي قريباً، ولا يمكن الإستمرار بدعم مواطنيها “الكسالى”، ومن هنا تبادر من تلقاء نفسها بالتخطيط لبناء شاطئ سياحي على البحر الأحمر، وتفهم بأن حرمان المرأة من العمل قد يكلفها ثمناً غاليا، كونها لا تساهم في الإنتاج. إن الربيع العربي كان بمثابة رغبة القوى المثقفة الشبابية بالإندماج في العالم الحديث من خلال بناء نظام ديمقراطي عادل جديد. وما نراه اليوم من صراع مدمر في العالم العربي هو نتاج عدم القدرة على الإنخراط في هذا العالم، وهو الشرط المسبق لتوفير الرفاهية لمواطنيها.
إن ما يميز إسرائيل عن بقية الدول العربية هي قدرتها على بناء جهاز حكومي متطور ومحاسبة قياداتها حسب القانون مثل ما ثبت عندما تمت محاكمة كلُّاً مِن رئيس الحكومة ورئيس الدولة وزجهم في سجن، بينما الوزارات المختلفة تتمتع بكادر مهني ممتاز يعرف كيف ينفذ المخططات الحكومية بغض النظر عن ميول الوزراء السياسية. إن إسرائيل موجودة اليوم في طليعة التحديث التكنولوجي في مجال الإنترنت، البيوتكنولوجيا، الماء، تطوير برامج حماية وتأمين المعلومات وغيرها من المجالات. ومع ذلك كل هذا التطور يبقى محدودا ويتناقض مع وجود احتلال وقمع حريات الفلسطينيين مثل ما كان عليه الوضع في عهد ما قبل الحرب العالمية الثانية. إن الموقف اليميني المتطرف والميول الدينية اليهودية تصطدم مع التطور العلمي والتواصل مع العالم الأمر الذي يفسر الإنقسام الكبير داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه بين الليبراليين والمتشددين. وإذا أردنا أن نرسم بخطوط عامة هذا الإنقسام على أساس طبقي فمن الممكن أن نميز بين مصوتي الليكود الشرقيين الذين يشغلون وظائف ومهن “قديمة” مثل سواقين، عمال مصانع وموظفي مكاتب، والذين تهدد الثورة الصناعية الرابعة مكان عملهم. أما مؤيدي حزب العمل فهم يسكنون في تل أبيب، ينخرطون في المهن “المستقبلية” ولديهم أجور ومستوى معيشة أعلى بكثير.
ومن هنا نرى أن الحل للقضية الفلسطينية لا يكمن في بناء دولة فلسطينية على نمط النظام العربي القديم الذي تمثله السلطة الفلسطينية وفتح، بل لا بد أن يتم من خلال الدمج بين المجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني ضمن اقتصاد واحد يخدم المجتمع ككل. وإن لم نتمكن اليوم من تحديد كيفية تشكيل الدولة الواحدة، فما نعرفه هو أنها ستكون جزءً من المحيط العربي الجديد. فإذا كان من المستحيل التحرر من الإحتلال في ظل التشرذم العربي الحالي فالدولة الواحدة لا يمكن أن تقوم إلا من خلال نجاح الربيع العربي وإعادة بناء العالم العربي على أسس جديدة، على قاعدة اقتصادية جديدة ونظام ديمقراطي يضمن العدالة الإجتماعية.
إن ما أثبتته أحداث الأقصى هو أن الإحتلال متعلق بعلاقاته مع “المحور السني المعتدل” وهي الدول الفاشلة مثل مصر، السعودية والأردن، التي تريد أن تمنع بكل قوتها التغيير الديمقراطي. ومن هنا فهذا التغيير سيحاصر الإحتلال وسيفتح أفقاً جديدة أمام الشعب الفلسطيني، وفي نفس الوقت، يقابل ذلك قسم كبير من الشعب الإسرائيلي الذي يعارض حكومة اليمين، والذي يواجه الملاحقة الفكرية والثقافية والذي سئم الإحتلال. إن الفكر الإسلامي المتطرف مثله مثل الفكر القومي
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.