الضفة في واد وغزة في واد آخر

قبل 16 يوم اعلن مروان البرغوثي المحبوس في السجن الاسرائيلي الاضراب عن الطعام باسم 1500 سجين من مجمل 6000 سجين فلسطيني في السجون الاسرائيلية. منذ ذلك الحين تتصاعد الفعاليات الاحتجاجية، من اضراب للمتاجر الى خيم الاعتصام بما عرف باسم “اضراب الكرامة”. ليس سر بان الرئيس ابو مازن لم يتحمس لهذا الاضراب في الوقت الذي يقوم بخطوات حثيثة قبيل لقائه مع الرئيس الامريكي دونالد ترمب في الثالث من مايو وهو يفضل سيادة الهدوء على الجو المشحون الذي يعم الضفة الغربية اليوم.

ولكن وبعد ان التقى ابو مازن مع فدوى برغوثي زوجة مروان برفقة عضوا الكنيست عن الجبهة، عايدة توما سليمان وايمن عودة، تغيرت منحى حركة فتح التي مسكت زمام الامور وتقف اليوم على رأس الحملة الشعبية والاعلامية دعما لمطالب الاسرى بتحسين شروط اعتقالهم.

لكن وفي الوقت الذي تعلن فيه حركة فتح عن الاضراب ويوم الغضب في الضفة الغربية تنطلق المظاهرات من مساجد غزة ليس داعما لإضراب السجناء بل تنديدا بالسلطة لفلسطينية وابو مازن الذي قرر تخفيض معاشات الموظفين العالقين عن العمل منذ انقلاب حماس على السلطة عام 2007 وكذلك زاد من الضغط على سكان غزة بالإعلان عن وقف تمويل المازوت المستعمل لتشغيل محطة الكهرباء مما ادى بسكان قطاع غزة الى ضرورة الاكتفاء بأربع ساعات كهرباء يومية فقط.

انه مظهر غريب. ففي الوقت الذي يتظاهر انصار فتح من اجل تحسين الشروط المعيشة ل6000 سجين امني تتظاهر حماس من اجل انقاذ الظروف المعيشية لمليوني مواطن فلسطيني يعيشون بظروف سجن كبير في قطاع غزة. والسؤال المشروع هو كيف ممكن للسلطة الفلسطينية ان تطالب من اسرائيل ان تحترم حقوق السجناء وفي نفس الوقت تقوم هي بإجراءات تعسفية كمنع الكهرباء من مواطنيها الشيء الذي لا تجرؤ اسرائيل ان تقوم به عبر 50 سنة من احتلالها لغزة ورغم كل الحروب التي دارت بينها وبين حماس. وعلى ضوء هذه الاجراءات ضد سكان غزة يبقى السؤال مفتوح: ماذا تريد حركة فتح من حملتها الشعبية من اجل السجناء المضربين عن الطعام؟ هل تهتم بتحصيل مطالب السجناء ام انها معنية بتوفير الغطاء وربما التبرير لما تقوم به ضد حماس في غزة؟

ان ما فجر الازمة الاخيرة بين حماس وفتح كان اعلان من قبل حماس عن تشكيل لجنة ادارية لتقوم بمهام السلطة في غزة. كان هذا الاجراء مثابة اعلان الطلاق عن الضفة الغربية والانسحاب من حكومة الوفاق التي يرأسها رامي الحمد الله من رام الله. وقد استغل ابو مازن عزلة حماس بعد ان قام الرئيس التركي اردوغان بإعادة العلاقات الديبلوماسية مع اسرائيل وهو يتنازل عن شرطه الاساسي بفك الحصار عن غزة. فبقت حماس بين فكي الكماشة، نظام السيسي جنوبا وحكومة نتانياهو شمالا. حماس في ضيق سياسي واقتصادي الامر الذي ادى بحركة فتح الى شن حملتها الشرسة وهي تستغل الخطأ التي قامت به حماس بإعلانها عن لجنتها الادارية. ان موقف فتح واضح، تريدون الحكم في غزة فلقوا له من يموله، فتح ليست مستعدة ان تستمر بتمويل ما تراه كانقلاب على سلطتها.

ان ما قامت به السلطة الفلسطينية بحق سكان غزة قد زاد من الضيقة المعيشية والمعاناة اليومية للمواطن الذي لا يلاقي مكان للعمل، ليس له ماء صالحة للشرب ومجبور ان يكتفي بأربع ساعات كهرباء فقط ولا يرى افق للحل. وبطبيعة الحال تتزايد الاصوات ضد هذا الوضع ومعها يتكاثر النقد على حماس ولجنته الادارية التي تريد ان تدير بلد تنقصه ابسط مستلزمات الحياة ولا موارد اساسية له. ان رد حماس كان حازما وسريعا، حيث قامت بحملة اختطاف ضد الصحافيين، نشطاء في شبكات التوصل الاجتماعي وحتى قياديين بارزين الذين يعارضون الطريقة التي تسير بها حماس. ان ومن بين الناشطين الذين قام اختطافهم الزميل عبد الله ابو شرخ الذي له مساهمة دائمة في موقع “الحوار متمدن”. ان السلطة الفلسطينية وحماس لا تعترفان بحقوق الانسان الفلسطيني ولكنهما لا تتوقفان عن المطالبة من اسرائيل باحترام نفس الحقوق التي تخترقانها يوميا بالمناطق الخاضعة للسيطرة الفلسطينية.

اما ونتانياهو يشهد ما يحدث ليس من باب الارتياح بل والقلق لأنه ورغم الاقتتال بين حماس وفتح على السلطة فحقيقة الامر هي ان من يتحمل المسؤولية العليا لما يحدث في الضفة الغربية وغزة هي اسرائيل ولا غيرها. ان حركة الاحتجاج في الضفة الغربية المنضبطة من قبل السلطة الفلسطينية من الممكن ان تفلت من ايديها في حالة تفاقم وضع الاسرى المضربين الصحي وتوفي احد منهم مما سيضع التنسيق الامني بين السلطة واسرائيل امام خطر جديد. فإما ان تقمع السلطة المظاهرات الغاضبة او ان تقوم اسرائيل بذلك الامر الذي سيضع ابو مازن في المحك. ولكن ما يقلق اسرائيل اكثر على مستوى الحكومة والمؤسسة الامنية هو وضع قطاع غزة الانساني الذي يتدهور نحو كارثة انسانية حقيقية تتحمل اسرائيل كامل المسؤولية عنها.

ان الحل الامثل الذي تسعى اليه اسرائيل هو التطبيع مع حماس، او بالأحرى تحويل الهدنة الحالية الى وضع دائم تلتزم من خلاله حماس التنازل عن المقاومة المسلحة مقابل فك الحصار على غزة. وقد ترى اسرائيل كيف يتدهور الوضع الصحي في غزة، وكيف تتزايد امراض الامعاء عند الاولاد من المياه الغير صالحة للشرب، الامر الذي ادى الى تصريحات علنية من قبل ضباط في الجيش ووزراء مثل وزير النقل اسرائيل كاتس تدعي لبناء ميناء عائم على شاطئ غزة، وتنادي الحكومة الاسرائيلية لبناء محطة لتوليد الكهرباء ومحاطات لتحلية المياه وكل ذلك تجنبا كارثة انسانيا. ان ورغم قرار ابو مازن بوقف تمويل الكهرباء الا ان اسرائيل لن تتوقف عن توفير الكهرباء خشيا من ان تتفجر الاوضاع في وجهها اما عن طريق حرب جديدة او حالة من ازمة انسانية مثل ما اسلفنا.

ان ورغم رغبة اسرائيل في التطبيع مع حماس وتكريس الانقسام بين غزة والضفة الغربية الا ان موقفها لا يستحسن الدعم من مصر والاردن وهما حلفاء استراتيجيين جدا لاسرائيل. ان الحرب التي يشن النظام المصري ضد داعش في سيناء تخدم المصلحة الامنية الاسرائيلية ايضا واخر ما يريد الجنرال سيسي هو كيان تابع للإخوان المسلمين في غزة. من ناحية اخرى انشاء كيان مستقل في غزة تحت سيطرة مطلقة لحماس من الممكن ان يضرب في مكانة السلطة الفلسطينية ومن خلالها بالتنسيق الامني “المقدس”. محاولة نتانياهو ارضاء شركائه من اليمين المتطرف،  والتماهي مع مصالح النظام المصري، والحفاظ على سلامة سلطة ابو مازن وعلى سلطة حماس في آن واحد وهو يرفض لكل تسوية سياسية مع الفلسطينيين يشل كل اجراء لتغيير الوضع الخطير ويباشر بفوضى عارمة نتيجة لغليان شعبي كبير لن يقفز عن سلطة رام الله ولا عن سلطة غزة التين تتحملان المسؤولية الكاملة للوضع الذي وصل اليه الشعب الفلسطيني.

وفي هذه الظروف الصعبة لا يمكن ان نؤول الكثير من اللقاء المرتقب بين الرئيس الامريكي ترمب وابو مازن. فترمب يتحدث عن حل ولكن لا احد يعرف ماذا يقصد، ومن يتأمل من قريب على ما يحدث في حقيقة الامر يفهم ان الشعب الفلسطيني يتبعد خطوة بعد خطوة عن برنامج الدولة الفلسطينية. ان ترمب مثله مثل نتانياهو يريد الاستقرار في فلسطين ليستطيع ان ينظم التحالف “السني” ضد ايران، ولكن 50 سنة من الاحتلال ومن ضمنها 20 سنة بعد انشاء السلطة الفلسطينية و10 سنين بعد انقلاب حماس في غزة تبلور وضع سياسي، اقتصادي واجتماعي معقد للغاية من الصعب تصحيحه من خلال مؤتمرات اقليمية او حلول مؤقتة. ان التطورات على ارض الواقع تدل على اننا مقدمون على حال من الفوضى وليس الى حل دائم او حتى مؤقت.

عن حزب دعم

يرى حزب دعم أن برنامج "نيو ديل إسرائيلي – فلسطيني أخضر" هو الحل الأنسب لمعالجة الأزمة السياسية والاقتصادية التي تمر بها إسرائيل، وهو مرتكز أساسي لبناء شراكة إسرائيلية فلسطينية حقيقية لإنهاء نظام الفصل العنصري "الأبرتهايد" الذي تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين في المناطق المحتلة. هذا الحل مبني على أساس "العدالة المدنية"، ما يعني منح الفلسطينيين كامل الحقوق المدنية ووقف كل أنواع التمييز والتفرقة بين اليهودي والعربي ضمن دولة واحدة من النهر إلى البحر. إن تغيير الأولويات الاقتصادية والاجتماعية ومحاربة الاحتباس الحراري لإنقاذ البشرية من الانقراض ليس مهمة "صهيونية" فحسب أو "فلسطينية"، بل هي مهمة كونية وأممية في جوهرها. ومثلما لا يمكن تطبيق الأجندة الخضراء في أمريكا من دون معالجة العنصرية ضد السود، كذلك لا يمكن تحقيق برنامج أخضر في إسرائيل بمعزل عن إنهاء نظام الأبرتهايد والقضاء على التمييز العنصري تجاه المواطنين العرب في إسرائيل.