انتهت “عاصفة الحزم” دون أن تحقق أهدافها، فجماعة الحوثي مرابطون على طول وعرض اليمن من صنعاء وحتى عدن، والرئيس عبد ربه منصور هادي لا يزال متواجداً في الرياض دون آمال كبير للعودة إلى الوطن في المستقبل القريب. وكان مكتوباً “لعاصفة الحزم” الفشل منذ اللحظة الأولى لأن ما يحدث على الأرض في اليمن لا يمكن تغييره من الجو، فالقصف الجوي ألقى أضراراً جسيمة وزاد الوضع الانساني تفاقماً وهو المتأزم على كل حال منذ زمن. ربما كان هذا الوضع المتفاقم، الفقر، البطالة، الفساد وعدم قدرة حكومة هادي على معالجة كل هذه المشاكل هي التي فسحت المجال أمام جماعة “أنصار الله” لاحتلال صنعاء خلال أربعة أيام ومن ثم الاستيلاء على كامل الإقليم اليمني. ومن يتوقع خيراً من الملك سلمان فهو مخطئ كون السعودية هي نفسها من خلقت الفوضى والفراغ السياسي الذي استُغلّ من قبل الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح وحليفه الجديد عبد المالك الحوثي الذي غفر لصالح جريمة قتل والده ومؤسس الحركة حسين بدر الدين الحوثي.
إن للسعودية اليد الطولى في كل كبيرة وصغيرة تحدث في اليمن، فهي من موّلت عائلة صالح وربيبه وخصومه في آن “آل الأحمر”، مثلما مولت حزب المؤتمر العام الحاكم وحزب التجمع اليمني للإصلاح وهو حزب الإخوان المسلمين “المعارض”، وهي التي دعمت القبائل الزيدية من حاشد وبكيل التي سيطرت تاريخياً على الأغلبية السنّية الشافعية. وكانت السعودية هي من نشرت الوهابية الجهادية في مواجهة الجنوب الشيوعي قبل الوحدة بين اليمنيين. وقد اخترعت السعودية الوصفة السياسية التي من خلالها تم إجهاض ربيع الشباب اليمني عندما فرضت “الحل اليمني”: أن يتخلى الديكتاتور الفاسد عن منصبه ليبقى نظامه على ما هو عليه. هذه هي الوصفة “الحكيمة” التي يحاول أوباما أن يفرضها على سورية وهي نفس الوصفة التي طبقت في العراق عندما تم استبدال نوري المالكي بنائبه حيدر العبادي. واليوم نعرف تماماً إلى أين يقود هذا الحل في العراق مثل ما نعرف كيف تُدمّر سورية بسبب هذه السياسة الإجرامية ضيقة الأفق، فماذا ننتظر أن يحدث في اليمن؟
من يعتقد أن المملكة السعودية هي الرد على المدّ الفارسي فهو مخطئ، إيران توسع نفوذها في المنطقة بسبب الفساد، التطرف والفوضى التي خلقت سياسة المال السعودي في المنطقة. فمن دعم الغزو الأمريكي للعراق يتحمل كامل المسؤولية عن وقوع العراق كالثمرة الناضجة في يد إيران ومن بعده دعم العصيان السني ضد المالكي قد ساهم في نهاية المطاف بإنشاء الدولة الإسلامية في العراق والشام في الموصل وشمال سورية.
فإذا تتحالف السعودية بل وتمول الانقلاب العسكري في مصر والقمع الدموي الذي يمارسه الجنرال سيسي، فلماذا ممنوع على إيران أن تمول بل وتدعم عسكريا حرب الإبادة التي يقوم بها الأسد؟ لماذا مسموح للملك السعودي أن يدعم ويتحالف مع علي عبد الله صالح ولكن ممنوع على مرشد الجمهورية الإسلامية؟ لماذا مسموح للسعودية أن تموّل وتزود بالمال والعتاد الجماعات التكفيرية من نوع “جيش الإسلام”، “جيش التوحيد” و”أحرار الشام” وممنوع على إيران أن تمول “أنصار الله”، “حزب الله”، “عصائب أهل الحق” وغيرها من مئات الميليشيات السنية والشيعية المنتشرة على امتداد المشرق والمغرب العربي؟ لماذا مسموح الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي ولكن ممنوع الإطاحة بالرئيس المعيّن عبد ربه منصور هادي؟ إن من لا يحترم الشرعية في أرض الكنانة لا يمكن أن يطلب احترام الشرعية في اليمن السعيد.
رغم العداوة العلنية بين الرياض وطهران إلّا أن لهما هماً مشتركاً في غاية واحدة وهي إغراق الثورة الديمقراطية العربية في بحر من الدم، إن نظام ولاية الفقيه والنظام الوهابي الملكي يُكفّران النظام الديمقراطي، إنهما أنظمة استبدادية كل ما تسعى إليه هو إدامة سلطتهما على حساب شعوبهما. فمثل ما استخدم النظام الإيراني قوات “الباسيج” لقمع الثورة الخضراء التي باشرت الربيع العربي، هكذا أعلنت المملكة الحرب على الثورة الديمقراطية ووضعت الإخوان المسلمين على رأس قائمة الإرهاب الأمر الذي أدى إلى فوضى وحروب أهلية تشمل ليبيا ومصر وسورية واليوم اليمن. وما يحدث اليوم في العالم العربي من حروب واقتتال تناحري يدل على أن المشكلة هي أكبر بكثير من إمكانية كل من إيران أو السعودية للتغلب عليها. فاذا صح أنه لا يمكن للسعودية أن تحسم المعركة في اليمن أو في مصر وليبيا فهكذا لن تستطيع إيران فرض سيطرتها على سوريا العراق واليمن. فكلما تصارع الجانبان على نفوذهما في المنطقة أكثر هكذا تتبين هشاشتهما وضعفها، فشعوب المنطقة لا تقبل التطرف الوهابي وهي تستاء من التطرف الشيعي.
وهنا لا بد من الإشارة إلى الأخ الأكبر في واشنطن الذي يريد أن يمسك العصى من المنتصف، فكل ما يهم أوباما هو “تنظيم القاعدة” ومن ثم لتذهب الشعوب إلى الجحيم. إن القصف الصاروخي في أرض اليمن وبتواطؤ مع الديكتاتور صالح ساهم مساهمة كبيرة في خلق الفوضى وإثارة شعور السخط عند اليمنيين. فالتحالف مع العبادي في العراق، ومع سلمان في اليمن والتنسيق مع الأسد في سوريا وكلها في سبيل الحرب على “داعش” يطيل أمد الحرب ومعاناة ملايين من المشردين الفارين من ساحات القتال. سياسة أوباما هي بسيطة جدا، القبول بل والتنسيق مع كل من إيران والسعودية في سبيل الحفاظ على الأمن القومي الأمريكي وكأنه من الممكن الفصل بين أمن 300 مليون الامريكي وأمن وسلامة 300 مليون عربي. وفي الوقت الذي ينجز في لوزان الاتفاق النووي مع إيران يحضّر لاجتماع قمة مع دول الخليج في واشنطن لطمأنة “حلفائنا” العرب.
إن أوباما لا يفرّق كثيراً بين طهران والرياض، فصديقه السعودي القريب أخطر في نظره من عدوه الإيراني البعيد، إن من ضرب البرجين في نيو يورك كان سعودياً من أصل يمني بينما من يصرخ “الموت لأمريكا” ليل نهار لم يتجرأ أبداً على استفزاز الشيطان. إن السياسة الأمريكية أربكت كل حلفائها حتى أدى الأمر بحيدر العبادي إلى أن يعبّر من واشنطن بعد لقائه أوباما عن شجبه لعاصفة الحزم في الوقت الذي أعلنت أمريكا دعمها للسعودية. وإذ تتخوف أمريكا من “صوملة” الشرق الأوسط بما يسمى الدول الفاشلة، فما نراه في ليبيا، والعراق وسورية وأخيراً اليمن يدل على أن سياسة “الحرب على داعش” قد عمّقت الفوضى وخلقت فراغاً امتلأ بالميليشيات المسلحة من كل الأنواع حتى أصبحت داعش الأكثر شهرة بفضل تدميرها للتماثيل والإعدامات الوحشية المصورة ولكن ليس بالضرورة الأكثر خطورة. فما تقوم به المليشيات الشيعية في العراق من قتل وتطهير عرقي لا يقل بشاعة وشراسة.
ومن هنا لا بد من الاستنتاج بأن مصير المنطقة لا يمكن أن يبقى في يد أوباما، سلمان أو طهران بل من المفترض أن يعود إلى أصحاب الربيع العربي وهم ملايين الشباب الذين خرجوا للشوارع في تونس، والقاهرة وطرابلس ودمشق وصنعاء من أجل “إسقاط النظام”. وقد سقط عديد من المستبدين ولكن النظام ما زال قائماً بفضل السعودية وإيران وأمريكا. إن الحل يكمن في النظام الديمقراطي والعدالة الاجتماعية الذين اصبحا شعار وبرنامج الشعوب العربية. إن كل المحاولات لإجهاض الربيع العربي ستبوء بالفشل، فالتجربة المرّة والدموية التي تمر بها الشعوب العربية تفضح الأيديولوجيات المتطرفة الوهابية والشيعية في آن، ولا بد أن يولد النظام الديمقراطي الجديد من بين الأنقاض والدمار الذي خلقته هذه الحرب الدموية بين المملكة والجمهورية الإسلامية، هذا النظام الديمقراطي الذي من أجله ضحّى الشباب بأرواحهم عندما احتلوا الشوارع وهزوا العالم كله.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.