لا تتعدى نسبة التصويت في الوسط العربي ال 50% مما يدل على عدم ثقة نصف المجتمع بالنظام الديمقراطي وامكانية التأثير على سياسة الدولة من خلال التصويت في الانتخابات للكنيست. اما ال 50% من المصوتين فيمنحون اصواتهم للأحزاب العربية التي انقسمت هذه المرة الى قائمتين، قائمة اسلامية قومية، وقائمة شيوعية براغماتية. ورغم حصول الأحزاب العربية في الانتخابات الاخيرة على عدد لا بأس به من المقاعد الا ان نجاعتها وتأثيرها بقي محدودا بعد ان اختصرت مساحة نفوذها داخل المجتمع العربي فقط. فالتصويت لهاتين القائمتين لا يحمل سوى القبول بانه “يجب ان يكون تمثيل عربي في الكنيست”. بالإضافة لأنه هناك اجماع بان الأحزاب العربية لا يمكن لها ان تؤثر على المسار السياسي في إسرائيل ولذلك ليس هناك أي اكتراث ببرنامج القائمتين ولا يوجد نقاش يهدف الى استخلاص العبر من نشاط كافة الأحزاب العربية البرلماني على مدار 25 سنة الماضية.
ويمنح المواطن العربي صوته في الانتخابات للكنيست حسب ميوله الأيديولوجية، اذ يتوجب عليه الاختيار بين من ينادي بالحفاظ على الهوية الاسلامية، او الهوية القومية وبين من يميل الى الجبهة البراغماتية او من يمثل الخلط بين كل هذه الأيديولوجيات. الى جانب ذلك ودون علاقة بنمط التصويت لهذه الأحزاب تسير الحياة في التجمعات العربية بإنقطاع تام عما يحدث في الكنيست فالحياة الاجتماعية والاقتصادية وسياسة المجالس المحلية تدار غالبا بشكل عشوائي وضمن القواعد والامكانيات التي تحددها الدولة من ناحية الميزانيات، فرص العمل، المواصلات وسلطة القانون الذي يختلف عن القانون المجتمعي والذي يعتمد في الاساس على العادات والتقاليد التي تحكم حياة المواطن داخل عائلته او داخل بلده.
وتضع الاحزاب العربية كل اللوم على الحكومة او الشرطة عما يحدث من مصائب في المجتمع العربي، خاصة العنف المستشري، قتل النساء وقمعها، الوضع المزري للخدمات البلدية، مستوى التعليم المتدني، فقدان فرص عمل، غياب المواصلات الخ. واذا ما نظرنا الى الوضع السياسي العام فنرى انه لا يوجد اليوم حزب قادر على وضع تخطيط اقتصادي مستقبلي من شأنه نقل المجتمع العربي الى الامام والالتحاق بركب التطورات التكنولوجية والفرص التي توفرها في القرن ال21. ان الرؤية القومية الدينية التي تستند على التركيبة العائلية للمجتمع العربي تعيق رؤية المجتمع العربي للفرص المتاحة امامه في الظرف الراهن ودون علاقة بما تقدمه او لا تقدم الدولة اليهودية للمواطن العربي.
ان الانتقال الى الاقتصاد الحديث يبدأ من تغيير مصدر الطاقة والانتقال من حالة استهلاك الكهرباء الى حالة انتاج الكهرباء مما يوفر مبالغ طائلة ويحدث تغيير ثوري في كل المفاهيم. ان القانون الاسرائيلي حول الطاقة المتجددة، وفرة اشعة الشمس في البلاد ووجود بيوت عربية بملكية خاصة واسطح ذات مساحة شاسعة كل ذلك يفتح المجال للانتقال الفوري الى الطاقة الشمسية المجانية. الا ان هذه الثورة تستلزم عقلية ثورية، رؤية مجتمعية بدل السياسة العائلية التي تعرقل كل تقدم كون رئيس المجلس المحلي ملتزم بتعهداته تجاه العائلة على حساب مصلحة المجتمع. فالطاقة الشمسية تستلزم استثمار اولي، من خلال قرض او توفيرات ذاتية لشراء اللوحات الشمسية الضوئية والذي يتم تسديده بعد ستة سنين ومن بعده يتم انتاج الكهرباء مجانا ولمدة 20 سنة.
ولكن المجتمع التقليدي يرفض التفكير في المستقبل واصبح استهلاكي بامتياز نظرا لارتفاع المستوى المعيشي للفرد رغم وجود “حكومة اليمين الفاشية” التي ورغم تحريضها المستمر على العرب لم تمنع النمو الاقتصادي الحاصل في المجتمع العربي. هذا الوعي الاستهلاكي يقود الى التفكير في الراهن على حساب المستقبل مما يعرقل أي امكانية للتقدم. وهنا تدخل القيادات السياسية من احزاب ومؤسسات وسلطات محلية التي تقع على عاتقها مسؤولية توجيه المجتمع ولكن للأسف من يعتمد على الفكر القومي الاسلامي ويقدس العادات والتقاليد لا يمكن ان يتبنى فكر ثوري ورؤية مستقبلية.
ان الانتقال الى الطاقة الشمسية يعد مدخلا للتحديث التكنولوجي في مجال ادارة البلدات العربية. فيما يعتبر الانترنيت الذي يستخدم في كل بيت عربي مصدر اتصال والحصول على معلومات، من الممكن ان يتحول الى اداة في يد المجلس المحلي لإدارة البلد من خلال تكنولوجية “انترنيت الاشياء” الذي تسمح ربط كل بيت الى مركز معلومات مركزي لتحسين ادارة البلد والاستجابة لمتطلبات المواطن. ان عداد الماء، نظافة الشوارع، المدارس، الاستجابة لكل طارئ، وتقديم الخدمات ممكن ان تعتمد على الانترنيت لترسيخ العلاقة بين المواطن والسلطة المحلية. انها الوصفة لكسر العائلية وبناء مجتمع متضامن ومتعاون لن يحتاج الى حكومة او شرطة لحل مشاكله بل من الممكن ان يحلها من خلال الارتكان الى اسلوب حديث ومتطور يربط بين الناس وبين المواطن والمركز القيادي.
اما وفي موضوع المواصلات، الازدحام في الشوارع، حوادث الطرق القاتلة، الخطر على الاولاد في الشارع من الممكن ان تحل من خلال تطوير شبكة من الباصات الصغيرة المتوفرة للجميع بأسعار معقولة بالإضافة لحلول اخرى على غرار “السيارة المشتركة” الكهربائية التي تم تبنيها في المدن الرئيسية في اسرائيل مثل تل ابيب او حيفا. ان هذا النمط من المواصلات جاء من اجل حل مشكلة الازدحام والتلوث البيئي في مدن العالم. ان الباصات التي تعتمد على الكهرباء وكذلك السيارة المشتركة التي تعتمد على تكنولوجيا انترنيت الاشياء تدار من خلال تطبيقات يتم تحميلها على الهاتف الخلوي. ان التوجه نحو توفير حلول المشاركة في مجال المواصلات بدل السيارة الخاصة يتناقض مع نمط التفكير السائد الذي يقدس الملك الخاص للسيارة، فالسيارة اصبحت تجسيدا ورمزا لموقعك الاجتماعي، فللمحامي المرسيديس، والمهندس البي ام دبليو، والمقاول سيارة جيب ولا يليق لهم ان يتنقلوا داخل البلد في سيارة رينو كهربائية مشتركة. ولكن غالبية المجتمع بإمكانهم التنقل بواسطة السيارة المشتركة وتعتبر حلا مثاليا لمن لا يملك سيارة خاصة.
من يقرأ هذا المقال ستعلو وجهه ابتسامة وهو ينظر من نافذة بيته الى الشارع وسيقول هذا العالم مستحيل تحقيقه. ومع ذلك يوجد اليوم جيل جديد من المثقفين، خريجي الجامعات وأناس مع عقل مفتوح الذين يفهمون بانه اذا استحال هذه التغيير سيبقى المجتمع العربي عرضة للعنف، التخلف، الفقر والانقطاع عن التطور العصري. ان الاحزاب العربية لا تنظر الى المستقبل ولا برنامج لها سوى الحفاظ على وجودها وهي تعتمد على البنية العائلية للمجتمع. اما الجيل الجديد فهو دون شك يشكل راس مال بشري، مورد انساني غير مستغل الذي عليه ان يختار بين ترك بلده بحثا عن فرص عمل في المدن اليهودية وتحقيق طموحاته او البقاء في بلده عاطلا عن العمل او العمل في وظيفة لا تليق بقدراته الذهنية والمهنية.
حملة الانتخابات الحالية تبرز في إسرائيل الخطاب القومي الإسرائيلي حيث يعتمد اليمين المتطرف على شعار “بيبي او طيبي” بينما شعار اليمين المعتدل العسكري بقيادة الجنرال غانتس هو “اسرائيل اولا”، وبينما يظهر نتانياهو يحتضن ترامب، غانتس انتحل نفس شعار ترامب واستبدل اسرائيل بامريكا. رد فعل الاحزاب العربية هو تلقائي وعفوي: هم لا يريدنا في الوطن فعلينا ان نحافظ على قوميتنا وهويتنا المهددة. اما مستقبل المجتمع الاسرائيلي والفلسطيني فلا يعتبر موضوعا للنقاش ولا احد يجتهد في طرحه على الساحة السياسية. ومن هنا لا بد للمواطن العاقل ان يفكر بذكاء، ان يفهم العالم المتغير من حوله وان يختار طريقة تفكير بديلة بعيدة عن كل هذه الاحزاب التي حوّلت الكنيست الى اداة لخدمة مصالحها ومصالح مقربيها من اصحاب رؤوس الاموال، والباحثين عن المناصب على حساب مصلحة المجتمع.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.