بيان للرأي العام حول استطلاع الرأي عن الابارتهايد بصحيفة هآرتس، 23/10/2012

نسر في بانيت

ضج الرأي العام الاسرائيلي والعربي بالعنوان الرئيسي لصحيفة هآرتس امس الثلاثاء (22/10/2012) حول استطلاع الرأي الذي يشير الى ان 58% من الاسرائيليين اليهود يؤيدون نظام ابارتهايد في حال ضم اسرائيل للمناطق المحتلة. وهي بالفعل نتائج مثيرة للقلق، لدرجة اثارت رد فعل غاضب من جانب القيادات العربية والاوساط الليبرالية اليهودية. ولكن ما الأمر الجديد في الاستطلاع؟ لا جديد تحت الشمس، الاستطلاع انما يكشف القناع عن التعريف المكشوف اصلا للدولة كيهودية ديمقراطية، ويظهر الطبقات السميكة لقذارة العنصرية المتفشية في شرائح واسعة بسبب الجهل والآراء المسبقة.

لا يجب ان يفاجئ الاستطلاع احدا. فقد زادت حدة العنصرية، خاصة بعد اربع سنوات من حكم نتانياهو وانشغال الكنيست بسن قوانين عنصرية ضد المواطنين العرب، كل هذه ساهمت كثيرا في بلورة مناخا عنصريا مقيتا. واذا اضفنا الى ذلك التحريض العنصري الذي يمارسه وزير الداخلية ايلي يشاي من شاس ضد العمال المهاجرين الافارقة والمظاهرات التي جرى تنظيمها ضدهم، نجد ان الوضع بالفعل سيئ جدا. يدل الاستطلاع على واقع حقيقي، ولكنه لا يكشف الصورة الكاملة.

عنوان الصحيفة في الغلاف الرئيسي يخلق بلبلة بالنسبة للمواضيع التي تشغل بال الرأي العام الاسرائيلي اليوم وهو موشك على الانتخابات. صحيفة يديعوت احرونوت في نفس اليوم خصصت عنوانها الرئيسي لتصريح من موشيه كحلون، الوزير المستقيل من حكومة نتانياهو، جاء فيه: “الليكود قد يفقد السلطة”. لا شك ان هذا العنوان يدل على الصورة الاكثر تعقيدا للوضع العام في اسرائيل اليوم. كحلون تطرق الى الوضع الاقتصادي الذي يمكن ان يجعل الليكود يخسر الحكم، لذا يطرح السؤال: اذا كان الجمهور الاسرائيلي معنيا وهمه الاول والاخير هو فرض الابارتهايد على الفلسطينيين، ألم يكن من الحري به إعادة انتخاب زعيم اليمين نتانياهو؟ الاجابة واضحة، الجمهور غير مشغول بالابارتهايد، بل ما يهمه هو غلاء المعيشة، اسعار البيوت، الفقر، الفجوات الاجتماعية، الفساد السلطوي والزواج بين السلطة ورأس المال.

مظاهرات الحراك الاحتجاجي في صيف 2011 لم تناد الى طرد العرب الى مناطق السلطة الفلسطينية، بالعكي، الجمهور الاسرائيلي ملّ من الاجندة العنصرية التي فرضها الكنيست وخرج الى الشوارع للاحتجاج ضد الحكومة بسبب استهتارها المطلق بآلامه ومصاعبه الحياتية. يشعر الكثيرون بان الاجندة العنصرية تأتي للتغطية على الاهمال الاجرامي للقضايا الساخنة مثل الفقر، التعليم، الصحةن السكن وبالأساس الغموض بالنسبة للمستقبل. حتى عندما خرج نتانياهو بحملته ضد ايران، جوبه باستطلاع آخر للرأي العام الذي اتخذ موقفا ضد الحرب، ليس حبا في ايران طبعا ولكن لشعوره بان زعيمه يحاول صرف الانظار عن القضايا الاجتماعية الحقيقية التي تهم هذا الجمهور.

الموضوع المطروح في هذه الانتخابات ليس قضية الابارتهايد على ثقلها، بل القضايا المركزية هي اثنتين: الاولى القضية الاجتماعية الاقتصادية والثانية القضية السياسية. في الشأن الاجتماعي لا فرق جوهري بين اليهود والعرب، الكل يعمل بنفس ظروف الاستغلال، المعلمون، العاملون الاجتماعيون، الممرضون في المستشفيات، عمال المصانع المخصخصة، الكل يعمل ساعات طويلة لقاء اجور بالكاد تكفيهم الشهر. لا احد يتهم العرب بالمسؤولية عن تدهور الاوضاع الاقتصادية الاجتماعية، كما يحدث مثلا في الدول الاوروبية المشبعة بالعنصرية والكراهية تجاه المسلمين وسائر العمال المهاجرين. في اسرائيل عنوان الغضب الجماهيري هو الحكومة، اليمين الاسرائيلي الذي يسيطر منذ سنوات طويلة. هذا ما قصده كحلون في تصريحه، بان اليمين يمكن ان يدفع ثمن سياسته.

اما عن القضية السياسية، التي تفر منها كل الاحزاب المعارضة لنتانياهو، فالواقع ان الجمهور الاسرائيلي سئم من الحروب وكذلك من الاستيطان الذي “يشفط” اموال الميزانية بدل توجيهها للخدمات الاجتماعية. لجان التحقيق العديدة التي جرى تشكيلها في السنوات الاخيرة هي اشارة الى عدم ثقة الجمهور بقادته العسكريين والسياسيين، ولو جلبوا له اتفاق سلام يضع حدا للصراع على اساس التنازل عن المناطق المحتلة، فسيجدون اغلبية تدعمه. غير ان القيادة الاسرائيلية جبانة. فهي تخاف مواجهة المستوطنين وتمتنع عن القيام بما هو مطلوب منها وهو اخلاؤهم واقتلاعهم من الاراضي الفلسطينية، كشرط اساسي للسلام العادل. وبسبب جبنها هذا فانها تفضل الهروب الى الحروب ومواصلة تخصيص ربع ميزانية الدولة لوزارة الامن على حساب خدمات الرفاه، العمل، ومستقبل المواطنين.

نعم، العنصرية موجودة، ولكن تعطش الشعب للعدالة الاجتماعية وللسلام هي ايضا موجودة. هاتان هما الامكانيتان الماثلتان امام المجتمع الاسرائيلي: اما السلام الحقيقي والعدالة الاجتماعية او الابارتهايد والعنصرية. وهاتان هما القضيتان الماثلتان امام الناخب.

عن حزب دعم

يرى حزب دعم أن برنامج "نيو ديل إسرائيلي – فلسطيني أخضر" هو الحل الأنسب لمعالجة الأزمة السياسية والاقتصادية التي تمر بها إسرائيل، وهو مرتكز أساسي لبناء شراكة إسرائيلية فلسطينية حقيقية لإنهاء نظام الفصل العنصري "الأبرتهايد" الذي تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين في المناطق المحتلة. هذا الحل مبني على أساس "العدالة المدنية"، ما يعني منح الفلسطينيين كامل الحقوق المدنية ووقف كل أنواع التمييز والتفرقة بين اليهودي والعربي ضمن دولة واحدة من النهر إلى البحر. إن تغيير الأولويات الاقتصادية والاجتماعية ومحاربة الاحتباس الحراري لإنقاذ البشرية من الانقراض ليس مهمة "صهيونية" فحسب أو "فلسطينية"، بل هي مهمة كونية وأممية في جوهرها. ومثلما لا يمكن تطبيق الأجندة الخضراء في أمريكا من دون معالجة العنصرية ضد السود، كذلك لا يمكن تحقيق برنامج أخضر في إسرائيل بمعزل عن إنهاء نظام الأبرتهايد والقضاء على التمييز العنصري تجاه المواطنين العرب في إسرائيل.