بقلم محمد سعد خير الله *
الأيام الاستثنائية المبهجة في حياة الأغلبية منا قليلة ومن الممكن أن لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة. وفي الثلث الأول من هذا الشهر كنت على موعد مع يوم من هذه الأيام. تاريخ ال- 9 أغسطس 2023 لن أنسى طوال حياتي، عندما تم التعامل بإيجابية تفوق توقعي وتصوراتي، مع الرسالة التي وجهتها إلى قادة الحراك الاحتجاجي في اسرائيل.
بعد كتابة الرسالة باللغة العربية طلبت من أحد أصدقائي الاعزاء في إسرائيل ترجمتها إلى العبرية لتجاوز “حاجز اللغة” لكي أرسلها عبر تغريدة من خلال حسابي على تويتر. وبعد نشر التغريدة تفاجأت بتفاعل ورسائل شكر ودودة ومشاركات عديدة، وصلت الى حد تناولها في فقرة للكاتب جاكي حوجي على إذاعة “غاليه تساهال”. عنونت الفقرة التي كان لي بها “رسائل صوتية” بعنوان له الكثير من الدلالات والمعانى “نصيحة من جهة غير متوقعة الى قادة الحراك”. والمقصود هنا أنها من مصري، البلد التي وقعت مع دولة اسرائيل اتفاق سلام منذ فترة طويلة ولكنه سلام جامد على المستوى الشعبي.
بعد نشر اللقاء تمت مشاركته والتعليق عليه بكثافة من مختلف الطيف المجتمعي شابات وشباب، ساسة، نشطاء، كتاب، صحفيين، مواطنين، مما يؤكد أن ما أشرت إليه وجد صدى وقبول وبخاصة بعد دعوتي للقاء في برنامج “شرق أوسط جديد” على قناة “مكان” للإعلامي فراس حامد حيث تحدثت عن دعوتي لقادة الحراك باستفاضة.
وفي السطور التالية النص العربي لمقترحي: إلى قادة الحراك الإسرائيلي متى سيتم “تأطير وتضفير” الحراك في وعاء سياسي واحد!؟ في البداية لابد من أن أشد على أياديكم، وأحييكم على نضالكم المتفرد المتميز والمسئول، ولكن من المهم أن اسأل ماذا بعد؟؟
في النهاية يوجد طريق وحيد للتغيير وهو صندوق الانتخابات. يقترب الحراك من الشهر الثامن وهو أمر رائع عظيم ومهم أن يبقى ويستمر ويتطور بشكل أكثر إيجابية بما يحقق الآمال والتطلعات المنشودة. ولكن السؤال كيف؟؟ الإجابة واضحة: يجب ان يقدم الحراك جوابه بواسطة الصندوق من خلال انتخابات مما يقتضي وجود قوة سياسية تعبر عن مبادئ ومواقف الحراك. هذه مهمة جبارة يجب ان يستعد لها الحراك ويجب مخاطبة الشارع من أجله؟
يهمني ان انقل اليكم العبر التي تعلمناها نحن، الثوار في مصر، من فشل ثورتنا عام 2011. فكل الاسئلة التي أطرحها الآن لم نعيرها نحن آنذاك أي اهتمام عندما كنا في الشوارع والميادين والازقة والحواري المصرية أثناء ثورة يناير2011. كانت تتملكنا حالة من “الاستمتاع بالحلم” وعند الإفاقة اكتشفنا أن كل شيء أنتهى وأصبحنا نطارد سراب لا أريد أبدًا أن تكونوا لاحقون لنا.
الديمقراطية الإسرائيلية الآن تواجه خطر داهم حقيقي والدولة في مرحلة فارقة هي الأخطر منذ تأسست والخلطة الاستبدادية التي تجهز من النوع شديد الخطورة، فهي تضع المختلفين معها بمثابة الكفار ومن يعارضون اوامر الله ومن يمثله في الأرض. بالتالي لابد من التفكير بشكل واقعي وبطريقة عاجلة بتشكيل تيار سياسي وبمسمى يعبر عن متن وتفاصيل الأزمة الديمقراطية ليكن على سبيل المثال “الاتحاد من أجل الديمقراطية والعدالة ” أو أسم آخر يعبر عن المعنى .
مضت الخطوة الاولي لإرساء قواعد الاستبداد وهي شل يد العدالة وتقويضها بما عرف بقانون إلغاء حجة المعقولية القادم صعب ومرعب .إن لم يتحول الحراك إلى تيار سياسي له قيادة تتشكل من وجوه شابة جديدة لديها المقدرة على الخروج عن المألوف والنمطي نحو آفاق أكثر رحابة، فرويدا رويدا ستتناقص الأعداد وتمل وتشعر بالضجر.
تلك طبيعة بشرية مرت بكل الشعوب والمجتمعات في ظروف مماثلة وعندما تخف وتيرة وعزم الحراك يتنهي كل شيء لصالح من يريد أن يحول ديمقراطية مستقرة إلى نظام استبدادي مستدام وحكم ثيوقراطي باسم الله. هناك أمور كثيرة من الممكن جدا أن تحافظ على توهج الحراك بل وازدياد الأعداد صاحبة المصلحة بشكل مباشر مثلا طرح مشروع لدستور الدولة ليكن هذا الطرح أول ما يتبنى التيار السياسي الجديد.
لا أريد أن أضع نفسي في خانة المنظّر السياسي الذي ينصح ويرشد الآخرين، كل ما في الأمر أنني رجل حرم من الديمقراطية في بلده ودفع ثمن الاستبداد واجبر على الخروج القسري إلى دولة أخرى ولا أريد بأي حال تكرار ما تم معي مع آخرين في دولة لي بها العديد والعديد من الأصدقاء الأعزاء والذين تعودوا على استنشاق رحيق الديمقراطية وعظمته ويستحيل عليهم أن يتقبلوا سموم الاستبداد وكارثيته ومراراته.
إلى هنا أنتهى نص رسالتي.
اضيف فقط انه ومنذ عدة أيام قرأت دراسة لجريدة هآرتس التي قامت بإجراء حوارات مطولة مع قادة الشباب – طلاب الثناوية – الذين ينظمون التظاهرات، والمشاركين بها، جيل آخر تماما له مستوى من النضوج العقلي والأفق المعرفي والتمرد الإيجابي على الثوابت الجامدة الحجرية. شهادات هذا الجيل تؤكد أننا على موعد مع ميلاد جديد لدولة إسرائيل. وهو الجيل الذي يضمن فشل كل المحاولات اليمينية الخائبة لتطويق الحراك وافشاله وأخرها ما تردده ابواق اليمين على نطاق واسع ويتعلق بسردية صبيانية مفادها أن قيادات الحراك كل همهمها أن يصبحوا وزراء أو أعضاء في الكنيست. والهدف طبعا معروف ومفضوح، وهو محاولة ضربهم بشكل استباقي من أن يمضوا قدما نحو تأسيس كيان سياسي، يخرج من رحم الحراك ويشارك في الانتخابات القادمة وأولها انتخابات السلطات المحلية والبلديات نهاية أكتوبر القادم.
في نهاية مقالي أقول لمن يقودون الحراك واوجه اليهم سلام وتحية وأمنية من أعماقي بالتوفيق والنجاح ومقولة للعظيم موسى بن ميمون “يجب أن يكون هدفك هو معرفة الكل، الذي كان من المفترض أن يكون معروفا”.
- محمد سعد خيرالله هو كاتب وناشط سياسي مصري المتخصص في شؤون الشرق الأوسط المقيم حاليا في المنفى في السويد بسبب نشاطه ضد النظام السلطوي العسكري في مصر.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.