“سد بوجه الفاشية” هو الشعار الرئيسي لقائمة طيبي – عودة، وكونها قائمة “يهودية عربية” فقد ارفقت الشعار بالعربية بأخر بالعبرية “يتدفقون الى صناديق الاقتراع”، وفي الخلفية تظهر باصات جاهزة للانطلاق. ورغم ان الشعار مكتوب بالعبرية غير ان الباصات لا تنتظر المصوتين اليهود بل العرب الذين تحثهم الاحزاب العربية على الخروج للتصويت كي تنجح في مهمة إسقاط اليمين. إستعمال الباصات والتدفق الى صناديق الإقتراع هو تقليد او تحدي لنتانياهو الذي صرح بتلك الجملة العنصرية كنداء استغاثة موجه الى قاعدته الانتخابية وذلك في الساعات الأخيرة من يوم الانتخابات عام 2015 عندما تبين له ان كرسيه يتأرجح وسيفقد الليكود الإنتخابات لصالح حزب العمل.
هذه المرة جدد الليكود الشعار محذرا جمهور مصوتيه “يا بيبي، يا طيبي” بهدف لم شمل قاعدته الإنتخابية وموجها ضربة في الصميم للمعارضة كونها غير قادرة على تشكيل حكومة دون دعم الأحزاب العربية. ان التحريض على العرب بات امرا واضحا وإستخدام العنصرية ضدهم أصبح ورقة إنتخابية لا بد من لعبها من اجل تشويه صورة كل معارض ورفع نسبة الكراهية بين اليهود والعرب في البلاد. ومن الواضح أيضا أن الخوف اصبح عنصرا أساسيا من اجل تجنيد الجمهور اليهودي لصالح اليمين الذي يعمل على نزع الشرعية عن الجمهور العربي وكأنه الصوت العربي غير شرعي وغير مقبول، والديمقراطية التي يتمتع بها الجمهور العربي في الواقع هي هدية من السلطان وليست حق مدني أساسي ومطلق، يجب إحترامه.
لم نستغرب أن يستعمل اليمين هذا الاسلوب تجاه العرب، إذ انه الخوف من الاخر المختلف أصبح وسيلة مقبولة في شتى انحاء العالم. هكذا يتصرف ترامب تجاه المهاجرين من دول امريكا الوسطى في الولايات المتحدة وهكذا يحرض اليمين في إيطاليا ضد المهاجرين الأفارقة ليفوز في الانتخابات من خلال بث الخوف من الأجانب. كما جاءت الدعوة لإنفصال بريطانيا عن الإتحاد الأوروبي – بركزيت – على خلفية الكراهية تجاه المهجرين، وفي ألمانيا نشأ حزب يميني فاشي جديد بنى شعبيته بسرعة على التحريض العنصري المكشوف ضد اللاجئين السوريين. لكن الامر المستهجن هو إستخدام الجبهة والعربية للتغيير نفس الأسلوب للرد على نتانياهو وبنفس العملة. نتانياهو يستعمل حجج كاذبة ضد العرب فنحن العرب نرد ونقول نعم سنستقل الباصات بالجملة لنخرج ونصوت غصبا عنك.
ان هذه الباصات التي تبرز في ملصقات قائمة الجبهة – الطيبي تلعب الى أيدي نتانياهو، فدعاية الأحزاب العربية التي تعمل على التفريق بين العرب واليهود تساهم في بناء جدار فصل واضح على أساس قومي، من اجل حشد الجمهور العربي للتصويت على اساس قومي وليس على اساس مبادئ مدنية عامة، ديمقراطية واممية. الشعار “يا بيبي يا طيبي” يخدم الليكود الذي يريد خلق جدار فصل ثقافي وفكري بين اليهود وبين العرب لكنه كما نرى يخدم أيضا قائمة الطيبي والتي تستخدمه بأسلوب شعبوي رخيص يجر المجتمع العربي الى الإنغلاق. واضح ان الشعار لا يخدم الشعبين، لا العرب ولا اليهود. وقد اثبتت تجربة القائمة المشتركة بانه عندما يكن القاسم المشترك “العروبة” وليس مبادئ ورؤية مستقبلية فالنتيجة كانت الشلل ومن بعده الإقتتال على المصالح والكراسي مما ادى الى الانشقاق الى قائمتين – الجبهة والطيبي من ناحية والتجمع والإسلامية من الطرف الآخر.
وبالرغم من الدعاية، فان الأمر البارز هو ان الباصات التي تقوم الجبهة والعربية للتغيير بتجهيزها لنقل المصوتين العرب ستبقى على الاغلب فارغة، فالجمهور الذي ركب باصات المشتركة ومنح لها الثقة حتى فازت ب13 مقعدا في عام 2015 قد خرج مخيب الآمال وفهم بانه أصبح ورقة ضغط في اللعبة الإنتخابية لا غير. وقد عكست الإنتخابات للسلطات المحلية الأخيرة في شهر أكتوبر 2018 بان الأحزاب العربية فقدت ثقلها بين الجمهور بتعبيره عن عدم الثقة بها. ان الحياة السياسية في البلدات العربية تجري داخل العائلة التي تحدد إنتماء كل فرد في المجتمع، إذ تتصرف العائلة بمثابة حزب سياسي وتجري انتخابات تمهيدية داخلية بحيث يتم إختيار الشخصية البارزة في المجتمع – أحيانا يكون هذا رجل اعمال او اكاديمي كي يتمكن من تحقيق الإلتفاف العائلي لدعمه إذ يتم إستثناء النساء من الإنتخاب والترشيح ورغم كل ذلك تفوق نسبة المشاركة في الانتخابات المحلية في البلدات العربية 90% بينما في الوسط اليهودي لم تتعدى نسبة التصويت ال45%.
ان المواطن اليهودي غير مبال بالانتخابات المحلية لانه لا يعتمد على السلطة المحلية في تشغيله او لا يخاف من حرمانه من الخدمات الاساسية والتي هي حق لكل مواطن، فبينما تقدم هذه الخدمات في الوسط اليهودي لكل مواطن بغض النظر عن هوية الرئيس السياسية، ينخر الفساد والمحسوبيات جسد السلطات العربية. في نفس الوقت يشارك المواطن اليهودي في الإنتخابات للكنيسيت لأنه يتأثر بسياسات الحكومة على كل الأصعدة، تجاه الحرب والسلام، السياسة الإقتصادية، الرفاه والاسكان والتعليم والصحة وغيرها. ان القيادة الحقيقية في الوسط العربي هي القيادة العائلية بينما لا يبقى للأحزاب دورا في الحياة السياسية. ان ما تقوم به الأحزاب العربية في الكنيست لا امتداد له داخل المجتمع العربي، فالانتماء الرئيسي لرئيس المجلس هو للعائلة ولا دخل لأي حزب فيما يحدث داخل العائلة والمجلس المحلي. هذا الفصل بين العمل البرلماني والعمل البلدي يشل كل نفوذ وتأثير للأحزاب العربية على حياة المواطن.
ان التكتل القومي الديني الذي يميز الساحة السياسية في إسرائيل يؤدي الى تعميق الانقسام بين الاحزاب الصهيونية من الناحية وبين الاحزاب العربية من الناحية الأخرى ويؤدي هذا الإستقطاب الى تحييد الأحزاب العربية ومنعها من النفوذ والتأثير في إتخاذ القرارات السياسية في الدولة وفي نفس الوقت تمنع من الاحزاب الصهيونية المعارضة لليمين المتطرف من إمكانية الوصول الى السلطة وتنفيذ سياسة اكثر اعتدالا وليبرالية. ان عدم نفوذ الاحزاب العربية على الساحة السياسة العامة تقوي دور العائلية التي بدل ان تخدم الجمهور بغض النظر عن إنتمائه العائلي فهي تخدم الموالاة وتستثني كل من لا ينتمي للعائلة. ان العائلية هي مرض وسبب أساسي لتخلف الوسط العربي، ان التمييز من قبل الحكومة لا يمكن ان يبرر سوء إستعمال الميزانيات وعدم التخطيط الصحيح بالإضافة لظاهرة المحسوبيات.
ومن هنا وفي هذه الانتخابات زادت الاصوات التي تنادي بالمقاطعة وهي انعكاس مباشر لتجربة القائمة المشتركة الفاشلة. ان أغلبية الجمهور العربي لا يقاطع الإنتخابات من منطلق مقاطعة الكنيسيت الصهيوني ومن اجل تعرّية الديمقراطية الاسرائيلية الزائفة بل من منطلق خيبة الأمل واليأس واللامبالاة من السياسة بشكل عام في ظل الانغلاق العائلي. ان المقاطعة ليس برنامجا بل احتجاجا محدود التأثير. ومن يملك برنامجا واضحا في المجال الفكري، الاقتصادي والسياسي فيسعى الى الإحتكاك مع الجمهور وإقناعه بصحة برنامجه. ان أنصار المقاطعة لا يختلفون في هذا المجال عن الاحزاب العربية، فالجانبين لا يطرحون افق وحلول تستطيع ان تقود الى تغيير سياسي وإجتماعي جذري. ان شعار (الجبهة والطيبي) “كرامة وطنية عدالة اجتماعية” هو في الواقع شعارا يدل على الإنغلاق داخل الباص القومي بينما يبقى الشعار “قيادة جديدة تحالف حقيقي” وهو شعار التحالف بين التجمع والاسلاميين ليس سوى استهتار بعقول الناس فليس واضحا ما يجمع بين الطرفين سوى سعيهما المحموم لإجتياز نسبة الحسم.
حان الوقت لإعادة الحسابات، فقد نجحت الاحزاب العربية بإبعاد الجمهور عن السياسة الأمر الذي عاد بالفائدة على اليمين الاسرائيلي الفاشي. لا بد من طرح أفكار جديدة بعيدة عن الإنغلاق القومي، لا بد من تبني فكر أممي يتواصل مع الديمقراطيين في اسرائيل وسائر أنحاء العالم. فلا يكفي طرح شعار “عدالة اجتماعية ” دون طرح برنامج إقتصادي عصري ليس ضد النظام الرأسمالي الظالم فقط بل برنامج يتماشى مع الإقتصاد الجديد المؤسس على الطاقة المتجددة وعهد الأنترنيت والتكنولوجيات الجديدة. والاهم لا يمكن الاستمرار في اجترار شعار دولتين لشعبين في وقت انقسمت فلسطين لقسمين وتحت سلطتين ديكتاتوريتين لا تسطيعا ادارة حكم ذاتي، فكم بالحري دولة حديثة. حان الوقت لطرح برنامج جديد على اساس الدولة الديمقراطية الواحدة، لتعتمد الإقتصاد التشاركي الأخضر الواحد، ونظام ديمقراطي واحد يحترم كرامة كل مواطن على اختلاف إنتمائه القومي. دون هذا التجديد، دون الخروج من الصندوق القومي ستبقى الباصات فارغة والجمهور العربي دون تمثيل حقيقي.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.