إفتتاحية
24 سنة مرت منذ توقيع اتفاق أوسلو الذي جسد الإعتراف المتبادل بين دولة إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، والذي كان من المفروض أن يضع حدًّا للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني من خلال إقامة السلطة الفلسطينية كحل مؤقت سينتهي بإقامه دولة فلسطينية مستقلة. إلا أنه ورغم الدورات المتكررة من المفاوضات، والمؤتمرات واللقاءات التي استمرت على مدار كل هذه السنين لم تتوصل الأطراف إلى نتيجة، بل بالعكس، إستغلت إسرائيل هذه الفترة لتوسيع الإستيطان، والأحداث الدامية هي التي تحكم العلاقة بين كلا الطرفين. فمنذ فوز نتانياهو برئاسة الحكومة سنة 1996 شهدنا “هبة النفق” الذي وضعت حدًّا لكل التوقعات الفلسطينية بالحصول على دولة. ثم تلت الإنتفاضة الثانية التي انتهت ببناء جدار الفصل بين إسرائيل والضفة الغربية. وبعد فوز حماس في انتخابات 2006 والإنقلاب على السلطة في غزة عام2007 وخطف الجندي جلعاد شاليط فرضت إسرائيل حصاراً على غزة، الأمر الذي أدى إلى حروب متكررة بين إسرائيل وحماس انتهت بتدمير البنية التحتية وتسببت بكارثة إنسانية حتى الان لم تنته بعد. نتيجة كل هذه التطورات هي انقسام داخلي فلسطيني بين غزة والضفة الغربية، تنسيق أمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل على ملاحقة حماس، ورفض إسرائيلي قاطع لفكرة الدولة الفلسطينية المستقلة.
كل هذه التطورات قد أدت إلى قناعة عامة في أوساط الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني بأن حلم السلام على أساس تقسيم فلسطين إلى دولتين قد تلاشى بسبب الظروف السياسية الحالية التي تتسم بالإنقسام الفلسطيني من ناحية وفوز اليمين المتطرف في الإنتخابات الاخيرة من أخرى، مما أغلق كل الطرق المؤدية إلى حل على هذا الأساس. إن فوز دونالد ترامب في الإنتخابات الرئاسية الأمريكية هو بمثابة ضربة قاضية لما يدعى عملية السلام، فإيديولوجية ترامب اليمينية والعنصرية تتماشى تماماً مع الفكر العنصري لليمين الإسرائيلي، والطاقم المسؤول عن ملف الشرق الأوسط مكوّن من صهر الرئيس جارد كوشنير، ومحاميه جيسون غرينبلات، أما السفير الأمريكي لدى إسرائيل هو ديفيد فريدمان، وكلهم معروفون بتعاطفهم بل وبدعمهم للمستوطنين واليمين الإسرائيلي.
إن الفترة التي امتدت بين ولاية الرئيس كلينتون (1992-2000) وبين مجيء ترامب إلى الرئاسة تروي قصة اتفاق أوسلو التي بدأت بآمال كثيرة وانتهت بخيبة أمل كبيرة. وقد بدأت ولاية كلينتون بعد انهيار الإتحاد السوفييتي، عهد السلام والعولمة، عهد قد “انتهى فيه التاريخ” وأصبح النظام النيوليبرالي المعتمد على الأسواق الحرة النموذج المثالي للإزدهار العالمي. وقد أصبحت النيوليبرالية عقيدة تم احتضانها على نطاق عالمي، فيمين ويسار، حزب المحافظون وحزب العمل البريطاني، جمهوريون وديمقراطيون في أمريكا، الليكود وحزب العمل في إسرائيل، مصر مبارك التابعة لمحور الغرب وسورية الأسد التي تقف مع إيران في محور الممانعة مثلها كمثل شتى دول العالم التي قد تبنت هذا النهج، ومن بينها السلطة الفلسطينية نفسها والتي دافعت عن فوائد اتفاق أوسلو بمقولة عرفات الشهيرة “تحويل غزة إلى سنغافورة جديدة”. حسب المنظور الجديد كان من المقرر أن تتراجع الحروب لصالح السلام والمنافسة الإقتصادية الحرة هي التي تحكم العلاقات بين الدول. في هذه الظروف نشأت السلطة الفلسطينية ومع تغيير الظروف نفسها تحولت من مشروع دولة إلى حكم ذاتي تابع للإحتلال في الواقع.
إن مجيء ترامب إلى الحكم لم يكن من باب الصدفة بل نتيجة لتطورات اجتماعية عميقة كانت لها انعكاسات سياسية بعيدة المدى، الأمر الذي أدى بكثيرين من مؤيدي النظام النيوليبرالي أن يغيّروا موقفهم. إن هذا النهج قد أدى إلى خلق فجوة اجتماعية عميقة وحالة من عدم المساواة المفرط حتى تكدست الثورات في أيدي 1% من المجتمع على حساب بقية الـ 99% من الإنسانية. إحدى النتائج المباشرة لهذا النظام هي فقدان الطبقة الوسطى لمكانتها الإجتماعية وبالتالي فقدان الثقة بالنظام الديمقراطي برمته، في البرلمانات والحكومات التي تنشط لصالح الإحتكارات الكبيرة والمصارف العملاقة التي سيطرت من خلال مالها على السياسة وعلى السياسيين. إن انتخاب ترامب شأنه شأن الإستفتاء حول البريكسيت في بريطانيا، كلاهما كان بمثابة وضع المصلحة القومية فوق كل اعتبار. الإستهتار بالمؤسسات الدولية والتراجع عن العولمة الإقتصادية يشيران إلى انتهاء عهد وبداية عهد جديد.
إن الأزمة المالية الكبرى عام 2008 كانت بلا شك نقطة انعطاف في تاريخ النظام الرأسمالي وبداية النهاية للنظام النيوليبرالي. وليس من الصدفة بأن سنة 2008 تشكل نقطة انطلاق للثورة المصرية، وهي السنة التي تشكلت فيها حركة 6 إبريل الشبابية الثورية التي دعت إلى إضراب عام في مصر تضامناً مع إضراب عمال النسيج في المحلة الكبرى. إن الربيع العربي ليس إلا أحد إفرازات النظام النيوليبرالي، نظام الخصخصة والفساد، النظام الذي وسع الفجوة بين الغني والفقير لدرجة لا تطاق على امتداد العالم العربي برمته. وكان الربيع العربي جزءً من موجة احتجاج عالمية ضد النظام الرأسمالي في الدول التي تضررت بشكل كبير من الكساد الاقتصادي سنة 2008 وعلى رأسهم الولايات والمتحدة وبريطانية ودول جنوب أوروبا مثل اليونان وإسبانيا.
إلا أنه وبموازاة النهوض الجماهيري المطالب بالمساواة والعدالة الإجتماعية رأينا كذلك نمو ميول قوية في الاتجاه المعاكس، القومية والفاشية والبرامج التي تدعو إلى الإنغلاق القومي مثل شعار ترامب “أمريكا أولاً”. في خلفية الإندفاع إلى قطبين تكمن الثورة المعلوماتية وتطور التكنولوجيات الجديدة في مجال الطاقة، الروبوتيك، التجارة الإلكترونية وكذلك ظهور شركات جديدة مثل فيسبوك، آبل وأمازون، والتي لا تعتمد على الصناعة اليدوية بل على البرمجة والعمل الذهني. إن الصناعة القديمة، السيارة، الفولاذ، المنجم والنفط تتراجع كلها أمام الصناعات التكنولوجية والطاقة المتجددة. ومن هذا المنطلق فإن شعار “أمريكا أولا” المبني على إعادة المجد إلى الطبقة العاملة الأمريكية من خلال عودة الصناعات القديمة التي هاجرت إلى دول الخارج مثل الصين والمكسيك يذكرنا بشعار النبلاء الذين مجدوا الريف والفلاحة واستنكروا البرجوازية الجديدة ونظروا لعمال المصانع كخطر على وجودهم. إن هذه الشركات المتعددة الجنسيات مثلها كمثل البروليتارية، لا وطن لها، لكنها لا تساهم في رفاهية المجتمع لأنها تتهرب من دفع الضرائب كون نشاطها عالميا لا حدود قومية له.
هذا التطور التكنولوجي بالإضافة إلى الثورة المعلوماتية يضعان الأساس المادي لبلورة تصور سياسي ثوري جديد في مواجهة البرنامج القومي والفاشي الذي يجسده ترامب والتيارات القومية في أوروبا المبنية على أساس الكراهية تجاه العمال الأجانب واللاجئين. إن العالم العربي يمر اليوم بتحولات تاريخية خطيرة جداً، فقد اختفت الأنظمة الفاسدة المستبدة دون أن يتمكن الشباب الثوري والطبقات المسحوقة من بناء نظام ديمقراطي بديل لها كما طالبت به ثورات الربيع العربي. إن الدول النفطية الغنية مثل السعودية وإيران تتنافس على توسيع نفوذها في المنطقة وتتحد في قمع كل ظاهرة ديمقراطية قد تهدد نظامها الديني الأصولي. غير أن الثورة المعلوماتية والطاقة المتجددة البديلة عن النفط قد أدخلتا كلاً من السعودية وإيران إلى أزمة اقتصادية ستنتهي لا محالة في انهيار هذين النظامين المعارضين لكل تطور عصري والمعاديين للديمقراطية.
إن التغيير العميق في الإقتصاد العالمي الذي يضع أساساً لبناء نظام عالمي جديد مبني على التضامن والتعاون بين الشعوب على أساس متساوٍ ويضع الديمقراطية والعدالة الإجتماعية بديلاً للفاشية والرأسمالية النيوليبرالية، كما ويشكل أيضا الأساس لإعادة بناء العالم العربي على أسس ديمقراطية بعيدة عن الطائفية، الدين والنظام الديكتاتوري. وفي هذا السياق فقط نرى إمكانية بل وحتمية حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني على نفس الأسس من الديمقراطية والعدالة الإجتماعية. إن هزيمة ترامب، بوتين، النظام السعودي والنظام الإيراني هي شرط مسبق لهزيمة اليمين المتطرف في إسرائيل وكنس السلطة الفلسطينية على شقيها فتح وحماس والفصائل التي تدور في فلكهما.
إن حل القضية الفلسطينية لن يتم بمعزل عن حل القضية العربية والقضية العربية لن تحل بمعزل عن القضية العالمية، إذ أن معاناة الفلسطينيين من الإحتلال هي جزء مم يعاني منه السوريون، اليمنيون، المصريون والليبيون رغم الظروف المختلفة التي تميز بين مجتمع ومجتمع. أما قضيتهم الجامعة فمربوطة ارتباطاً جدلياً بقضية المجتمع الغربي الذي فقد مصدر رزقه، يعاني من البطالة والأجور المنخفضة، يخاف من الأجنبي ولا يتمتع بحقه في اختيار من يمثله في الحكم بشكل حر. فإما أن تسود الديمقراطية والعدالة الإجتماعية على الجميع أو أن تنهار الحضارة الإنسانية مثلها كمثل سوريا وبقية الدول العربية. العالم أصبح واحداً والحل واحدٌ أيضا.
نهاية النيوليبرالية وانهيار النظام الديمقراطي
وصل الإقتصاد النيوليبرالي إلى نهايته في صيف 2008 جرّاء انهيار القطاع المصرفي الأمريكي الذي أدى بدوره إلى سلسلة من انهيارات شملت أكبر البنوك في بريطانيا، فرنسا، وحتى آيسلاندا. هذا الإنهيار الكبير الذي هدد الإقتصاد العالمي برمته مثل الكساد الاقتصادي في سنة 1929، لم يأت من باب الصدفة بل كانت معالمه وفيرة على الطريق. دشّن الرئيس ريغان ونظيرته البريطانية تاتشر النظام النيوليبرالي على أنقاض النظام السابق الذي سمي “دولة الرفاه” والذي تم دحره من خلال القضاء على دور النقابات العمالية، وكان أول زلزال في البورصة الأمريكية بما سمي “يوم الإثنين الأسود” في أكتوبر 1987 والذي شمل أسواق المال العالمية، ومن ثم في 1998 حدث انهيار أكبر صندوق تحوط في أمريكا “لونغ تيرم كابيتال مانجمينت” الذي راهن على سندات الحكومة الروسية وخسر رأسماله إثر إعلان الحكومة الروسية عن عجزها سد ديونها المستحقة للبنوك، الأمر الذي هدد بأزمة تشمل كافة القطاع المصرفي في العالم.
وقد كان انهيار بورصة الأسهم التكنولوجية “ناسداك” في صيف 2000 علامة إضافية بأن النظام النيوليبرالي المبني على السوق الحرة والذي لا يخضع للرقابة من قبل الدولة قد يؤدي إلى خلق ما يسمى “فقاعة” وهي ارتفاع مصطنع لقيمة الأسهم من أجل جني أرباح على حساب المستثمرين السذج الذين يتم إغراؤهم على وضع مدخراتهم في البورصة أملاً في جني أرباح سهلة وسريعة. أما في 2008 جاء الإنهيار الكبير لبورصة وول ستريت على خلفية أزمة الرهن العقاري التي فضحت الطبيعة الحقيقية للنظام النيوليبرالي المبني على التضليل والكذب وكل هدفه لا يتعدّى إغناء أصحاب الشركات ومدراء البنوك الذين زيّفوا الحسابات وقاموا بأعمال إجرامية أدت إلى فقدان 8 مليون عائلة أمريكية بيوتها، ملايين العاطلين عن العمل وفقدان المدخرات وصناديق التقاعد لملايين من العمال المتقاعدين. الإنهيارات التي شهدناها في بلدان عديدة في عام 2008 أدت إلى حالة فقدت بها الشعوب الثقة بالنظام الإقتصادي والنظام السياسي الذي سمح بل وتعاون مع البنوك والشركات التي صادرت من الشعب مصدر رزقه، بيوته ومدخرات تقاعده.
لقد باشرت الدول الغربية بتطبيق نظام دولة الرفاه كرد فعل منها على انهيار بورصة وول ستريت سنة 1929 وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية وذلك كجواب يهدف إلى منع صعود خياري الفاشية والشيوعية على حد سواء. إن الكساد الاقتصادي سنة 1929 أدى إلى انهيار 11000 بنك من مجمل 25000 بنك في أمريكا، فقدان المواطنين الأمريكان لممتلكاتهم بسبب عدم قدرتهم على تسديد ديونهم للبنوك وإلى بطالة خانقة تعدّت الـ %25 وهددت بسقوط النظام الديمقراطي وصعود إما الفاشية أو الشيوعية كما حدث في أوروبا، الأمر الذي أدى بالرئيس روزفلت للإعلان أن نظام اقتصادي جديد تلعب فيه الدولة دورا رئيسيا في ضبط وقيادة الإقتصاد. وقامت حكومة روزفلت بسن قوانين جديدة تمنع المضاربة في البورصة وتفصل بين البنوك وبين صناديق الإستثمار، وفرضت رقابة شديدة على التجارة بالأوراق المالية. فقد طبقت على البنوك قوانين وضوابط صارمة للحفاظ على مدخرات الناس وإعادة ثقتهم في القطاع المصرفي.
إن ما قام به ريغان وتاتشر في ثمانينيات القرن الماضي كان بمثابة إعادة عجل التاريخ إلى الوراء، وباسم السوق الحرة وعدم قدرة بل صلاحية الدولة بالتدخل في الإقتصاد الذي اعتُبر من قبلهم كمساس في الإرادة الحرة للمستهلك وأرباب العمل وكعقبة أمام إمكانية النمو الإقتصادي تم إلغاء كل القوانين التي تم سنها في سنوات الثلاثين، الأمر الذي كان لا بد أن يقود إلى نفس النتائج الكارثية. إن أزمة 2008 كانت شبيهة بأزمة 1929 وكان عميد البنك المركزي الأمريكي بن برنانكي قد خصص دراسته للدكتوراه لازمة 1929 وسبل علاجها وقام بتدابير معاكسة لما تم اتخاذه في سنة 1929 إذ قام بضخ تريليون دولار للإقتصاد لتفادي انهيار البنوك مثلما حدث في أزمة 1929. غلا أنه وما دامت القوانين في المجال المصرفي لم تتغير فالأزمة مستمرة بل وتتفاقم وإذا كانت النتيجة في الثلاثينات من القرن الماضي صعود الفاشية فالنتيجة اليوم هي صعود ترامب، بوتين، الأحزاب العنصرية في فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، النمسا، هولندا وغيرها، الأمر الذي وبدون شك دق ناقوس الخطر حول مصير النظام الديمقراطي وأثار الضرورة بالتغيير الجذري.
كان رد فعل الأمريكيين الأول على الأزمة انتخاب باراك أوباما رئيسا لهم إذ كان أوباما قد وعدهم بان التغيير ممكن وحظي بالتالي بدعم جماهيري كبير جداً. إلا أنه خلال فترة حكمه اعتمد أوباما سياسة برنانكي التي سميت “التسهيل الكمي” المبنية على خفض معدل الفائدة إلى الصفر وضخ تريليونات الدولارات إلى البنوك والشركات من أجل تشجيع الإستثمار والتشغيل كوسيلة لإعادة النمو الإقتصادي والخروج من الأزمة. إلا أن هذه الأموال لم تستخدم من أجل الإستثمار وخلق أماكن عمل جديدة بل شقّت طريقها إلى البورصة التي استمرت المضاربة فيها كما كان في السابق دون الاكتراث بالعواقب الوخيمة على المواطن الأمريكي الذي لم يستطع العودة إلى نفس مستوى المعيشة الذي عاشه ما قبل 2008. إن هذه الأموال التي تم ضخها لصالح البنوك والشركات العملاقة قد وسعت الفجوة بين الغني والفقير وزادت من نفوذ رأس المال على السياسة وجردت المواطن من إمكانية التأثير الفعلي على القرار السياسي، فلا فرق بين من ينتخب، ديمقراطياً كان أو جمهورياً، فكل السياسيين يخدمون رأس المال على حساب العمال.
وقد اكتشف العمال الأمريكيون بأن أماكن العمل التي كانوا يشتغلون فيها – من مصانع السيارات، مناجم الفحم، مشاغل الفولاذ والإلكترونيات وبمعاشات مرتفعة مكنتهم من مستوى معيشة لائق للطبقة الوسطى- قد اختفت كلها بلا رجعة. هاجرت أماكن العمل وتبعثرت في شتى أنحاء المعمورة وعلى رأسها الصين التي وفرت للشركات أيدي عاملة رخيصة جداً الأمر الذي زاد من أرباح الشركات بينما قذف العمال الأمريكان في الوقت نفسه إلى البطالة. وقد استبدل قطاع الخدامات قطاع الإنتاج إلا أن معاشات العمال مقابل أعمالهم في هذا المجال زهيدة جداً لا تتعدى الحد الأدنى للأجور. فعمال ماكدونالدز، وولمارت وأمازون يعملون في أشغال غير مهنية ولا تنتج قيمة عالية مما يخلق ظاهرة العمال الفقراء، يعملون ولكن لا يستطيعون شراء بيت أو تعليم أولادهم.
وفي هذا السياق من الممكن فهم ظاهرة ترامب وفوزه في الإنتخابات. فقد ثارت أمريكا مرتين إثر ما حدث من كارثة بعد أزمة 2008 وانتخبت رئيساً من خارج المؤسسة التقليدية. المرة الاولى كانت ثورة يسارية ليبرالية انتخبت بها وبأغلبية ساحقة أول رئيس أسود في تاريخ أمريكا بعد أن وعد بمكافحة وول ستريت ومحاكمة كل من جنى واختلس الأموال بسبل خادعة. وبعد أن اتضح أن لون الرئيس لا يغير شيئاً فهو يخدم أسياد الحزب الديمقراطي ومموليه في البورصة، وبعد أن تدهور الوضع الإجتماعي إلى الأسوأ قامت أمريكا البيضاء والعنصرية بانتخاب مرشح من خارج المؤسسة السياسية قد وعد بتجفيف “المستنقع” في واشنطن. إنها ثورة على الكونغرس والمؤسسة الحاكمة من قبل عناصر مثل ستيف بانون الذين يؤمنون بتفوق العرق الأبيض ويرون في السود واللاتينيين خطراً على سلامة المجتمع الأمريكي. كما وأنها بمثابة ثورة يمينية فاشية كرد فعل على فشل الثورة اليسارية التي قادها أوباما.
المجتمع ما بعد الرأسمالية
وقد جاءت هذه الثورة اليمينية الهادفة مثل كل الثورات الأصولية من قبلها بهدف العودة إلى أيام العز، “أيام الأندلس” أو “مملكة داود” كرد فعل على ثورة الإنترنت، الثورة المعلوماتية التي غيّرت قوانين اللعبة الإقتصادية لدرجة أن النظام الرأسمالي دخل في أزمة وجودية كون الربح الذي يحكم العلاقة بين الناس والذي حوّل الإنسانية إلى سوق للإستهلاك، قد اختفى في كثير من مجالات النشاط الإقتصادي. وقد نشر جيرمي ريفكن كتابه “مجتمع الكلفة الهامشية الصفرية: إنترنت الأشياء والتعاونيات العامة وأفول الرأسمالية” كمرشد لفهم ما يحدث من تغييرات عميقة داخل النظام الرأسمالي. إن عنوان هذا الكتاب يحمل العناصر الأساسية لفهم طبيعة العصر وما هي التوقعات المستقبلية.
ورغم الإتجاهات الإيديولوجية المختلفة فإن المختصين في مادة الإقتصاد متفقين اليوم بأننا على أبواب تحوّل اقتصادي ثوري قد يقلب كل المفاهيم الإقتصادية التقليدية. من كلاوس شواب مؤسس المنتدى الإقتصادي العالمي إلى بول ميسون الخبير الإقتصادي الماركسي إلى جريمي ريفكن وغيره من خبراء الإقتصاد، كلهم يتفقون بأننا أمام ثورة صناعية جديدة قد تغيّر، كسابقتها، ملامح المجتمع العالمي. ما يجمع عليه الخبراء هو الإعتقاد بأن النشاط الإقتصادي عبر الإنترنت قد أنزل ما يسمى الكلفة الهامشية إلى الصفر مما يلغي الربح وبالتالي يلغي أيضا الكثير من الصناعات التقليدية التي تصبح غير مربحة. إن ما يميز الوضع الحالي هو الجمود في النمو الإقتصادي على نطاق عالمي بسبب الجمود في إنتاجية العامل رغم التطور التكنولوجي العظيم.
لكن “أفول الرأسمالية” لم يأت دون معارضة شديدة بل وحتى شرسة أحيانا. فترامب من ناحية وداعش من الناحية الأخرى يستخدمان الإنترنت من أجل نشر أفكارهما المتطرفة: القومية في حالة ترامب والتوجه الديني المتطرف في حالة داعش. وقد أصبحت تغريدات ترامب المتكررة طريقه لتجاوز الإعلام التجاري والعام وخلق منظومة معلومات بديلة تمكّن الرئيس الأمريكي من التواصل المباشر مع جمهوره. أما داعش فقد خلق “الخلافة الإفتراضية” في الإنترنت تعويضا لعدم تمكنه من بناء دولة حقيقية في العراق والشام. إن التكنولوجيات الحديثة تبشر بانتهاء عهد تاريخي استمر على مدى 200 سنة والدخول في عصر جديد ومتقدم أكثر لكن يثير القلق في قلوب هؤلاء الذين يعارضون بشدة العولمة والتعاون الحر بين الناس ويطرحون القومية والدين كبديل.
إن التكنولوجيا الحديثة، الإنترنت ونقل المعلومات بسرعة فائقة- والتي من الممكن أن تمنح الإنسانية مستقبلاً أفضل مبني على أساس التعاون والمساواة- تستخدم من قبل البنوك، صناديق التحوط والتجار في البورصة كوسيلة للمضاربة وجني أرباح خيالية. إن التجارة الإلكترونية بالأوراق المالية والعملات عبر الإنترنت قد استبدلت الوسيط التاجر بالأوراق المالية وأصبح الكمبيوتر كنز معلومات ومصدر أرباح لا يمكن لإنسان أن ينافسه. وفي نفس الوقت منحت التكنولوجيا الحديثة لشركات الصناعات الحديثة قوة احتكار كبيرة للغاية وهي تتقاسم بأدوارها: غوغل، ميكروسوفت، أمازون، فيسبوك وآبل تلعب دوراً ريادياً في الإقتصاد إلى جانب شركات في مجال الهندسة الوراثية والنانو روبوتيك الأمر الذي أدى إلى جني أرباح لا تتمكن شركات الصناعات التقليدية من منافستها.
ولا يخدم هذا التطور التكنولوجي الكبير المجتمع ككل بل تم احتكاره من قبل طبقة ضيقة جدا من رؤوس الأموال التي تمتلك ثروات هائلة، الأمر الذي يؤدي إلى اتساع الفجوة بين الغني والفقير. ومثل كل التكنولوجيات السابقة فالتكنولوجيا الحديثة تؤدي إلى اختفاء الكثير من المهن القديمة وتدفع بالعمال إلى البطالة أو أنها تجبرهم على تغيير مهنتهم. ففي الوقت الذي أدت فيه التجارة عبر الإنترنت إلى إغلاق الكثير من المتاجر الكبيرة والصغيرة وفصل مئات آلاف العمال فإن التكنولوجيا الحديثة تستغني عن المهن التي كان لها قيمة عالية مثل صناعة السيارات واللحام، الخراطة وغيرها من المهن في مجال الصناعة الثقيلة الأمر الذي دفع العمال إلى فقدان مكانتهم الإجتماعية ومستوى معيشتهم. إن التطور التكنولوجي غيّر إيضا مفهوم العمل كمصدر رزق، وقد نشرت كتب عديدة حول هذا الموضوع والتي تتنبأ بعالم دون عمل واليوم يجري النقاش كيف يمكن علاج مشكلة البطالة التي أصبحت خطرا حقيقيا على النظام الديمقراطي في الوقت الذي لا توجد فيه أماكن عمل ذات قيمة من شأنها أن توفر للعامل حياة كريمة.
إن نقل الصناعات إلى الصين كان سببه وجود وفرة في اليد العاملة الرخيصة التي أغنت الشركات العملاقة مثل “نايك” أو “آي بي إم” وكنتيجة مباشرة لهبوط الأرباح بسبب كلفة اليد العاملة الأمريكية من ناحية، وإمكانية استغلال يد عاملة غير مهنية وبالتالي أرخص في الصين، من أخرى. ولكن نقل الصناعات التقليدية إلى الدول غير المتطورة فتح المجال لتطوير الصناعات الحديثة في الدول الصناعية وعلى رأسها الولايات المتحدة. إن وادي السيليكون في ولاية كاليفورنيا -وهو مركز الشركات التكنولوجية- قد استبدل مدينة ديترويت في ولاية ميشيغان التي اشتهرت بصناعة السيارات. بالمثل، تحولت الكثير من المدن الصناعية الأمريكية الى مدن أشباح وأصبحت منطقة مناجم الفحم في جبال أبالاشيه في ولاية كنتاكي من المناطق الأشد فقراً في أمريكا بسبب فقدان عمال المناجم أماكن عملهم إذ أصبحوا عاطلين عن العمل.
سقوط الإشتراكية التقليدية
منذ أن دخل النظام النيوليبرالي في أزمته العميقة سنة 2008 رأينا شيئاً فشيئاً ظهور حركتين متناقضتين، حركة احتجاج يسارية في طبيعتها مثل أوكيوباي وول ستريت (occupy wall street) وفي المقابل حركة يمينة متطرفة مثل حفلة الشاي (the tea party). وقد تكررت هذه الظاهرة في اليونان مع ظهور حزب سيريزا اليساري وفي المقابل حركة الفجر الذهبي العنصرية، أو بوديموس في إسبانيا وفي مقابلها الجبهة القومية اليمينية في فرنسا وحركات شبيهة في ألمانيا، هولندا، النمسا، بولندا والمجر. ولم تستطع الحركات والأحزاب اليسارية أن تصل إلى الحكم باستثناء حزب سيريزا في اليونان الذي انقلب فيما بعد على برنامجه ووافق على شروط ألمانيا والبنك المركزي الأوروبي ونفّذ خطة تقشف وخصخصة للمرافق العامة بدلاً من التخلي عن اليورو وإملاءات ألمانيا مثل ما وعد قبل الانتخابات.
وفي نفس الوقت تمكن اليمين المتطرف من كسب الدعم الجماهيري والوصول إلى الحكم في أمريكا، وأن يجبر حكومة ديفيد كاميرون في بريطانيا على إجراء الإستفتاء حول البريكسيت، الأمر الذي كلفه السلطة، فاليسار لم يستطع أن يوضح موقفه وأن يطرح رؤية ثورية وشاملة حول البديل للنظام النيوليبرالي الذي انتهى بنظر اليمين واليسار على حد سواء. وللحقيقة في كثير من القضايا يلتقي اليمين واليسار ليس في استيائهما من البنوك والتجار في وول ستريت فحسب بل وفي نظرتهم القومية التي تتمركز في مصير الشعب الأمريكي أو البريطاني ومعارضتهم للعولمة. إن الخلاف بين يمين ويسار هو حول التصور لمستقبل البلد، اليمين يريد القضاء على دور الدولة في حياة الناس وفي الإقتصاد أما اليسار يريد من الدولة أن تضبط الحياة وهو يسعى للعودة إلى دولة الرفاه. اليمين هو محافظ ويرفض الإجهاض، هو متدين فيرفض الزواج بين ناس من نفس الجنس وينفي داروين بينما اليسار هو علماني وليبرالي في قضية المرأة والزواج.
وفي الوقت الذي استطاع فيه اليمين أن يطرح رؤية شاملة مؤسسة على الدين والقومية، لم يتغلب اليسار على الأزمة الفكرية التي يعاني منها منذ سقوط الإتحاد السوفييتي. إن دعوة رموز اليسار للعودة إلى دولة الرفاه لا علاقة لها بالواقع. فدولة الرفاه رغم إيجابياتها كانت في أساسها دولة رأسمالية تراجعت خلال هجمة النيوليبرالية وسيطرة العولمة وكسرها لحدود الدولة القومية وتوحيدها للسوق العالمي بما سميت القرية العالمية. أما الأنظمة الإشتراكية – أنظمة الإقتصاد المبرمج المركزي فقد انتهت إلى الديكتاتورية البيروقراطية، واحتكار الجهاز الحزبي للسلطة. باسم ديكتاتورية البروليتاريا استغل النظام سيطرته على الحكم من أجل كسب امتيازات مادية لأعضائه. وكان نفس القياديين الشيوعيين هم من فكّك الإتحاد السوفيتي ومن ثم استولوا على المرافق الإقتصادية، وأفضل مثال على ذلك هو الرئيس بوتين ورفاقه من الكي جي بي والزعامة الشيوعية التي استولت على الجمهوريات التي شكلت الإتحاد السوفيتي سابقا.
إن ديكتاتورية البروليتاريا ليست بديلاً للديمقراطية البرجوازية بينما هزمت دولة الرفاه من قبل رأس المال مما جرّد اليسار من برنامج جذري ومتمسك لمواجهة اليمين. وكما يحدث عادة في التاريخ فإن الطبقة العاملة التي شكّلت العنصر الثوري والطليعة في النضال ضد البرجوازية قد أصبحت اليوم عنصرا متخلفا ومحافظا وقاعدة انتخابية لليمين المتطرف. فإذا كانت البورجوازية الطبقة الثورية التي أعدمت الملك، قضت على الإقطاعية وأسست النظام الديموقراطي على أسس فصل السلطات، فهي أصبحت مع الوقت طبقة رجعية تستغل الحكم ليس من أجل رفاهية المجتمع ككل بل من أجل أرباح القلة القليلة الحاكمة. فالطبقة العاملة الأمريكية والبريطانية التي كانت في طليعة النضال النقابي والسياسي ضد رأس المال أصبحت اليوم طبقة محبطة، عنصرية، منغلقة على نفسها وقاعدة انتخابية لليمين القومي المتعصب. يجدر بنا التنبيه بأنها مقارنة جزئية لأن في اختلاف البرجوازية في القرنين الماضيين لم تتحول الطبقة العاملة اليوم إلى شريحة تستفيد من النظام الجديد بل بالعكس فهي تتحول إلى ما يشبه الطبقات الفقيرة المعدمة “لومبن بروليتريا” والتي تعاني من النظام الرأسمالي لكنها عرضة للتأثير من قبل المتطرفين المتدنيين والقوميين بسبب ضعفها وفقدانها للعلاقة في الواقع.
فقدت الطبقة العاملة دورها الطليعي في النضال من أجل مجتمع متساو وديمقراطي بسبب فقدانها لدورها المركزي في دورة الإنتاج. إن الطبقة العاملة في معامل “بوتيلوف” التي قادت الثورة الروسية عام 1917 مثل عمال المناجم البريطانيين، وعمال السيارات في أمريكا، كان لها دور مؤثر كون الصناعات التي اشتغلوا فيها هي لب ومحرك الإقتصاد الرأسمالي. ولكن الثورة الصناعية الجديدة أوجدت الصناعات الجديدة وعمالاً جدداً وهم ملايين التقنيين والمهندسين في مجال البرمجة قد أصبحوا محركاً أساسياً للإقتصاد الرأسمالي وهؤلاء يتمتعون بمعاشات ومستوى معيشة شبيه لمستوى معيشة العمال في صناعات التقليدية في القرن المنصرم. ومع فقدان دورها المركزي في الإنتاج أصبحت الطبقة العاملة التقليدية هامشية، منغلقة على نفسها وتخشى من التقدم وتعارض العولمة التي أخذت منها أماكن عملها بل استبدلت صناعاتها بصناعات جديدة ليس لديها المؤهلات اللازمة للعمل فيها.
وفي هذا الإطار من الممكن فهم ظاهرة بيرني سندرز في أمريكا وجيرمي كوربن في بريطانية. فالقاسم المشترك بينهما هو القدرة على تجنيد حركة كبيرة جدا من الشباب الذين سئموا القيادات التقليدية في كل من حزب العمل البريطاني والحزب الديمقراطي الأمريكي وذلك رغم جيلهما المتقدم وكونهما عضوا برلمان منذ أكثر من 30 عاما. ما يطرحه كل من ساندرز وكوربين هو العودة إلى دولة الرفاه التي تركها هذان الحزبان – العمل البريطاني والديمقراطي الأمريكي الذان تبنيا النهج النيوليبرالي بل تحالفا مع رأس المال وتجار البورصة. إن حركة الشباب الداعمة لكوربين وسندرز تشكل ظاهرة احتجاج جديدة وهامة رغم عن أنها لا تحمل برنامجا سياسيا واضحا بإمكانه مواجهة تحديات الثورة الصناعية الجديدة وليس لديها رؤية شمولية حول العالم ما بعد النيوليبرالية.
في الحقيقة هذا نوع من الإشتراكية القومية كما يتبين من قراءة كتاب سندرز الأخير “ثورتنا”، تعرف كيف تصف كل أمراض المجتمع الأمريكي بداية من إلقاء اللوم مباشرة على وول ستريت الذي كان وراء الأزمة الإقتصادية في 2008، مرورا بوضع التعليم التعيس، مشكلة البطالة، الرسوم العالية للتعليم العالي، العنصرية تجاه المواطنين السود، مشكلة السجون والإجرام الذي لا مثيل له في العالم، وضع البنية التحتية المتدهور وصولاً إلى مشكلة الصحة التي أصبحت قضية مركزية في أمريكا. وما يقترحه سندرز هو جهاز صحة حكومي مثل بقية الدول الصناعية. يتوجه سندرز إلى الطبقة العاملة الأمريكية في محاولة لإقناعها، دون نجاح يذكر، بأن ترامب يمثل رأس المال وهو عدو الطبقة العاملة، وفي الوقت الذي يتعهد فيه ترامب بإعادة الكبرياء لأمريكا من خلال استعادة المصانع من الصين وإعادة بناء البنية التحتية، فسندرز يهدف إلى نفس البرنامج لتشغيل العاطلين عن العمل. وإذا اتفق اليمين واليسار على الهدف فإنهم يختلفون حول الطريق إلى تحقيقه، فترامب يريد الوصول إلى هذا الهدف من خلال خفض الضرائب على الشركات ورأس المال بينما سندرز يريد رفعها من أجل تخصيص الميزانية في مجال التشغيل والرفاه.
ومع ذلك لا يتعامل سندرز بتاتا مع العولمة وانعكاساتها على الإنسانية ككل، ليست لديه رؤية حول القضايا الخارجية، فبالنسبة له يبدأ العالم وينتهي بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ وما يوجد في الطرف الثاني لا يهمه ولا رأي لديه فيه. أما جرمي كوربين ليس أفضل، فهو يحظى بدعم من الشباب بسبب موقفه الداعم للنقابات ومعارضته للمؤسسة الحزبية القديمة. ولكنه أيضا يتبنى موقف عمالي قومي مثل ما تبين في موقفه من البريكسيت، فهو يرفض أن يتخذ موقفا واضحا ضد التوجه الإنفصالي الذي يعبر عن موقف الطبقة العاملة البريطانية التي تنظر بكراهية إلى العمال الأجانب، مثل العمال البولنديين الذين هاجروا إلى بريطانيا بعد
أن أصبحت بولندا عضواً في الإتحاد الأوروبي، بحثا عن عمل. السبب الرئيسي للمطالبة في الإنفصال عن الإتحاد الأوروبي هو منع الهجرة إلى بريطانيا ليس من قبل العمال البولنديين الذين يتم اتهامهم بأنهم يسرقون أماكن العمل من العمال البريطانيين فحسب، بل أيضاً من المهاجرين السوريين الذي هاجروا بالملايين إلى الإتحاد الأوروبي هاربين من المذبحة السورية.
إن النظرة القومية اليسارية الضيقة تؤثر دون شك على موقف كوربين وسندرز من الثورة السورية. فكلاهما يدعمان بشكل مباشر أو غير مباشر نظام الأسد. ورغم المذبحة الرهيبة ضد الشعب السوري واستخدام الغازات السامة، القتل الجماعي، التعذيب في السجون، الحصار وتجويع المدن وهدم ممنهج للبيوت على رؤوس أصحابها، فإن سندرز مثل كوربين عارض أي تدخل عسكري من أجل إنقاذ الشعب السوري من هذه المجزرة الرهيبة. مثلهما كمثل كل اليسار التقليدي يتبنيان موقف ضد الإمبريالية، يستنكران الإحتلال الإسرائيلي وحصار غزة في كل مناسبة ولكنهما يتجاهلان كل نداءات الإستغاثة من قبل الشعب السوري مما يعرّي موقفهم من إسرائيل والإحتلال. إن سوريا محتلة من قبل روسيا، إيران وتركيا، ووضع الشعب السوري أسوأ من الفلسطيني، ومن يدعم الشعب الفلسطيني لا يمكن أن يتجاهل حقوق الشعب السوري.
الربيع العربي والطبقة الثورية الجديدة
السؤال الذي يطرح نفسه اليوم وفي حالة ظهور الحركات القومية العنصرية التي تحظى بدعم من قبل العمال القلقين من العولمة واضمحلال الحدود القومية: من سيحل محل الطبقة العاملة ونقاباتها؟ إن الربيع العربي وثورة 25 يناير في مصر كانت مثابة تجربة غنية بالعبر والدروس حول ما ينتظرنا في المستقبل. فما برز في الربيع العربي كان ما سماه بول ميسون “الإنسان المربوط بالشبكة المعلوماتية” كطليعة الحركة من أجل التغيير الثوري. لا شك أننا أمام ظاهرة اجتماعية جديدة، فالشباب المثقف ليس بحاجة إلى “الحزب الطليعي والثوار المحترفين” مثل ما دعى لينين من أجل إدخال الوعي الثوري “من الخارج”، إنهم العنصر المثقف الذي يتمتع بوعي ثوري وله أسلوبهم في نشر هذه الثقافة على أوسع مستوى وتجنيد المجتمع ككل، الـ99% ، ضد الـ1%. طموحاتهم هي سياسية بالأساس وليس نقابية بحتة مثل ما وصف لينين وعي العمال الفطري.
وإذا لم يعمل “الإنسان المربوط بالشبكة المعلوماتية” في المصنع ولا ينتمي إلى نقابة عمالية فهو مربوط من خلال فيسبوك، تويتر أو أنستغرام بمئات الآلاف من الشباب المماثل في بلاده وفي العالم أجمع. لا شك، مصر كانت أول ثورة سياسية أطاحت بنظام مستبد استمر لعقود من الزمن من خلال فيسبوك. وقد لعب عمال مصر دورا مهما ومركزيا في المعركة من أجل إسقاط النظام ولكن من احتل ميدان التحرير ونظم المظاهرات الجماهيرية هم الشباب المثقفين الذين تمكنوا من استخدام التكنولوجيا الحديثة لتنظيم أنفسهم ونشر أفكارهم ليس داخل مصر فقط بل على النطاق العربي والعالمي. إن ما قام به شباب مصر، وقام به شباب تونس وشباب اليمن وشباب سوريا في أكبر ثورة شاملة عرفها العالم العربي لم يكن فقط بسبب الظروف السياسية، الإجتماعية والإقتصادية الشبيهة التي تربط بين الدول العربية، بل بسبب التنقل السريع للمعلومات وعجز السلطة عن ضبط المعلومات من خلال احتكارها للإعلام.
وكان الربيع العربي جوابا لفشل النظام النيوليبرالي الذي تم تطبيقه في العالم العربي في دول مثل تونس، مصر، اليمن وسوريا، وأدى إلى استبدال الدولة “الإشتراكية” التي وفرت للمواطن مكان عمل، سكن، تعليم، صحة ودعما ماليا لحاجياته الأساسية مثل الخبز، الوقود الزيت والبوتاجاز. إن تطبيق سياسة السوق الحرة في العالم العربي أدى إلى كارثة اجتماعية عميقة جدا، ففي بلاد لا تتمتع بالحد الأدنى من البنية التحتية، ومستوى المعيشة فيه يساوي 3000 دولار من الناتج الإجمالي القومي للفرد (مقابل 40,000 دولار للفرد بالمعدل في الدول الصناعية) أدى انهيار جهاز الخدمات وسحب الدعم تلقائيا إلى كارثة اجتماعية. ولكن هذه الكارثة الإجتماعية لم تحدث في إطار نظام ديمقراطي يمنح للمواطن الحد الأدنى من الوسائل ليعبر من خلالها عن رأيه في انتخابات نزيهة بل في إطار نظام حكم مستبد يفرض نفسه من خلال القمع، الشرطة والمخابرات. لذلك رأينا أن الطريقة الوحيدة لتغيير وضع المواطن الكارثي هي الثورة الهادفة إلى إسقاط النظام واستبداله بنظام ديمقراطي.
إن هذا الالتقاء بين الأنظمة الديكتاتورية والنهج النيوليبرالي كان مثابة قنبلة موقوتة لا بد لها أن تنفجر عبر ثورة جماهيرية كبيرة في فترة زمنية معينة، وهذا ما حصل في شتاء سنة 2011. ومن المهم ذكره أن الربيع العربي لم يكن محصورا على المنطقة العربية بل شمل أغلبية الدول الأوروبية، والولايات المتحدة وحتى إسرائيل في حركة احتجاج عارمة كانت لها انعكاساتها السياسية المستمرة حتى يومنا هذا. إن حركة الإحتجاج هذه تقف وراء ظاهرة مثل بيني سندرز أو جيرمي كوربين، أو تشكيل أحزاب جديدة مثل سيريزا في اليونان وبوديموس في إسبانيا وكان لها أثر مهم على السياسة الإسرائيلية نفسها مع تشكيل حزب “يوجد مستقبل” وحزب “كلنا” ودخول كثير من رموز حركة الإحتجاج إلى حزب العمل. أما الفرق الكبير بين الربيع العربي وهذه الحركات التي احتجت ضد النظام الرأسمالي والعلاقة الوثيقة بين السلطة ورأس المال هو أن الربيع العربي حركة ثورية بامتياز غيّرت ملامح الشرق الأوسط برمته وإلى الأبد.
ومن يعتبر الربيع العربي “فاشلاً” فعليه أن يأخذ بالحسبان أن الفشل كان نسبيا وليس مطلقا، فقد تمكن الشباب الثوار من إسقاط الأنظمة التي لن تعود أبدا لتحكم كما كان في السابق. فقد وضع الربيع العربي حدا للجمهوريات العربية المحكومة من قبل الجنرالات لصالح الطبقة البرجوازية الفاسدة. إن الهزيمة المؤقتة لحركة الربيع العربي لا تمحي الوعي الديمقراطي الذي تم نشره بين عامة الناس وخلق الشعور العام بأن بناء مجتمع على أساس العدالة الإجتماعية ليس من المستحيل. ورغم كل الجهود لطمس آثار الربيع العربي إلا أن أعداء الديمقراطية والشباب الثوار لم يتمكنوا من فرض الأنظمة المستبدة مجددا، لا في ليبيا ولا في اليمن ولا في سوريا. أما في مصر فقد انقلب الجيش على النظام الديمقراطي إلا أن عبد الفتاح السيسي لا يحظى بمصداقية في صفوف شعبه أو على الساحة الدولية. أما نظام الأسد فهو يقبع في غرفة الإنعاش الروسية الإيرانية التي احتلت سورية وذبحت الشعب السوري من أجل نظام مجرم وعدو للإنسانية.
وقد نافست حركة الإخوان المسلمين الشباب الثوري في السعي إلى بناء نظام ديمقراطي ليبرالي جديد، وهي التي كانت ولمدة عقود المعارضة شبه الوحيدة للنظام. وإذا أدرك الشباب المثقف كيف يستغل فيسبوك لأغراض ثورية فالإخوان المسلمين تمتعوا بجهاز حزبي وإغاثي كبير استطاعوا من خلاله تنظيم الطبقات الفقيرة تحت الشعار الوهمي “الإسلام هو الحل”. وكان من الطبيعي أن ينجح الإخوان المسلمون في انتخابات حرة كما حصل في تونس ومصر إلا أنه سرعان ما تبين بأن الشريعة الإسلامية لا تشكل برنامجا اقتصاديا أو سياسيا عصريا، إذ تبين أن الإخوان المسلمين تبنوا النهج النيوليبرالي الرأسمالي الأمر الذي لم يغير كثيرا في حياة الناس. وقد أخطأ الشباب المصري عندما قاموا بدعم الجيش في انقلابه على الرئيس المنتخب محمد مرسي في انقلاب تموز 2013 ولا يزال يدفع الشعب المصري وشبابه الثوار حتى اليوم ثمنا غاليا على هذا الخطأ. أما الإخوان المسلمين فيدفعون ثمن محاولاتهم للإستيلاء على الحكم، الإستهتار بالشباب الثوري ومبادئ الثورة الديمقراطية، الأمر الذي انتهى بفرض نظام عسكري جديد في مصر وممارسة القمع الوحشي ضدهم.
والحق يقال بأن الشباب الثوري لم يواجه حركة الإخوان المسلمين فقط بل كانت في وجههم أيضا الدول الإقليمية التي تقاسمت الأدوار في قمع الربيع العربي ومنع الديمقراطية من النجاح حرصاً على سلامة نظامها. لقد لعبت دول الخليج دورا رئيسيا في إفشال الربيع العربي، ففي الوقت الذي تمتع فيه الإخوان المسلمون في ليبيا، تونس، مصر وسوريا بالدعم المالي القطري، فإن الجيش المصري والجيش الليبي في بنغازي وحركات أصولية في سوريا تمتعت هي الأخرى بدعم من السعودية ودولة الإمارات.
إن اللامبالاة من قبل الدول الغربية، وموقف اليسار التقليدي المؤيد للأسد كان له فعل مهم في إحباط الثورة على الأنظمة المستبدة إلا أن المال الخليجي والإيراني كانا عاملا حاسما في قمع الثورات وإفشالها. إن دول الخليج التي تتمتع بثروات مالية ضخمة من إيرادات النفط والغاز كان بإمكانها أن تشتري حركة “تمرد” في مصر أو أن تضرب بمكانة المجلس الوطني السوري لتشكل الإئتلاف لقوى الثورة السورية محله وأن تنقل زمام القرار السياسي من قطر إلى السعودية وأن تشتري ميليشيات إسلامية مثل جيش الإسلام، أحرار الشام وجبهة النصرة التي كانت مهمتها الأساسية القضاء على الجيش الحر والتنسيقات المحلية التي قادت الثورة السلمية ضد بشار الأسد. اما النظام الإيراني الذي شهد الربيع الإيراني- وهي الحركة الخضراء في سنة 2009 –فقد تدخل في كل من اليمن، سوريا والعراق لفرض نظام طائفي قمعي تابع لولاية الفقيه.
إلا أن (وهنا بيت القصيد) دول الخليج نفسها ليست محصّنة أمام التغييرات التي تحملها الثورة الصناعية الجديدة. إن السيارة الكهربائية والطاقة المتجددة أصبحتا أكبر عدو للنظام السعودي وكل الدول الإستبدادية التي تعتمد على النفط والغاز مثل روسيا، قطر وإيران. وقد قام النظام السعودي بانقلاب سياسي داخلي عندما اختار محمد بن سلمان وليا للعهد، وقام بخطوات حثيثة لإنقاذ النظام من خلال إطلاق خطوة اقتصادية تحت عنوان 2030. وهذه الفترة الزمنية التي حددها النظام السعودي لنفسه لإجراء التغييرات الضرورية من أجل إنقاذ البلد من الإستناد المطلق إلى النفط. ومن الإصلاحات الضرورية أيضاً استبدال العمالة الأجنبية بالعمالة السعودية، تحرير المرأة من القيود المفروض عليها من أجل دخولها إلى سوق العمل وإصلاح القوانين من أجل جذب الإستثمارات الأجنبية لتمويل الإنتقال من اقتصاد نفطي إلى اقتصاد عصري ومتنوع.
إن خطة 2030 تشكل إكبر دليل على التناقض الكبير الذي يعيشه النظام السعودي بين الحاجة الملحة للإنخراط في الإقتصاد الحديث من جهة وطبيعة النظام السياسي المتخلف من جهة أخرى. ورغم كل جهوده لمنع الربيع العربي من النجاح فكل ما كان بوسعه أن يحقق هو تأخير التطور التاريخي، إلا أنه في آخر المطاف ستضرب الثورة المعلوماتية وبقوة النظامَ نفسه. إن النفط لن يبقى مصدر الطاقة الوحيد وفي النفس الوقت سيفقد النظام مصداقيته في حالة إطلاق الحريات اللازمة ليس لتحرر المرأة فحسب بل لانخراط ملايين الشباب السعودي في العالم العصري بعيدا عن المنهج الوهابي وسيطرة المشايخ على المجتمع. أما اختفاء المال الخليجي فسيشكل ضربة قاصية للإخوان المسلمين والحركات الجهادية وسيعيد موازين القوى من جديد لصالح القوى الديمقراطية الليبرالية التي لا تزال تكافح من أجل مستقبل ديمقراطي وعادل في الشرق الاوسط.
مستقبل إسرائيل وفلسطين على خلفية أزمة النيوليبرالية
السؤال المطروح إثر كل هذه التحولات في المشهد السياسي على المستوى الدولي والعربي هو كيف وبأي مدى تؤثر هذه التطورات على النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين. إن الإعتقاد السائد في كلا الطرفين هو أن هذا النزاع لا حل له نظرا لتجربة الماضي وكل المحاولات العنيفة والسلمية للوصول إلى حل انتهت بالفشل. فإسرائيل مع كل جبروتها العسكري لم تتمكن حتى الآن من فرض حلها على الفلسطينيين وحتى القضاء على حماس بعد جولات متكررة من الحروب. أما حماس لم تستطع أن تفرض موقفها على إسرائيل من خلال سلاح المقاومة في الوقت الذي فشلت فيه فتح في الوصول إلى حل من خلال المفاوضات. والإتفاق الذي تم ابرامه بين الحركتين في شهر أكتوبر 2017 في القاهرة هو أكبر دليل بأنهما توصلتا إلى الإستنتاج بأنهما أمام طريق مسدود ولا بد أن تتصالحا.
الموقف حول استحالة الوصول إلى حل نابع من نظرة ضيّقة جدا تعزل النزاع عن العالم، فدون شك إذا بقي الإسرائيليون والفلسطينيون معزولين عن العالم فلن يجدوا حلا للنزاع حتى بعد مئة سنة. ولكن إسرائيل مربوطة بالعالم بعلاقاتها الديبلوماسية والإقتصادية ارتباطا وثيقا جدا، في الوقت الذي نجد فيه فلسطين مربوطة ارتباطا عضويا بالعالم العربي لدرجة أنه لا يمكن فصل مصيرها عن مصير العالم العربي برمته. إن اسرائيل غيّرت بنيتها الإقتصادية والسياسية بعد أن تبنت النهج النيوليبرالي الذي اتسم بالإنتقال من اقتصاد القطاع العام والتعاونيات إلى اقتصاد رأسمالي خاضع لقوانين السوق الحرة. وإذا أدى تبني الإقتصاد النيوليبرالي والخصخصة من قبل الأنظمة العربية إلى انفجار الربيع العربي ففي إسرائيل كانت النتيجة عكسية. إسرائيل دخلت الى منظمة OECD وانتقلت من الإعتماد على الصناعات التقليدية إلى الاعتماد على صناعات الإنترنت والتكنولوجيات المتطورة.
وشكلت التحولات على الساحة العالمية من ناحية ووضع العالم العربي أساسا لاتفاق أوسلو الذي أصبح الإطار السياسي العام الذي يحكم العلاقة بين إسرائيل والفلسطينيين. إن انهيار الإتحاد السوفييتي وبقاء الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة سهل على نشر النظام النيوليبرالي على نطاق عالمي. فباستثناء دول مثل كوريا الشمالية وكوبا فأغلبية دول العالم انخرطت في نطاق العولمة وعلى رأسها الصين “الإشتراكية”. أما العالم العربي برمته قد اصطف وراء أمريكا وشارك معها في حرب الخليج الأولى ضد نظام صدام حسين مما شكل ضغطا إضافيا على منظمة التحرير الفلسطينية لقبول الشروط الإسرائيلية وهي إقامة سلطة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة بمثابة حكم ذاتي موسع.
إن الظروف الدولية والعربية التي فرضت نفسها على إسرائيل والفلسطينيين إبان التوقيع على اتفاق أوسلو بدعم عربي ودولي واسع جدا، هذه الظروف قد اختفت. الولايات المتحدة فقدت نفوذها في الشرق الأوسط بعد فشلها الذريع في العراق والأنظمة العربية انهارت بفضل الربيع العربي وعلى رأسها النظام المصري. إن المحور “السني” الذي تبني عليه إسرائيل ليس سوى محورا هشا، فالنظام المصري ضعيف ولم يتمكن حتى الآن من أن يستقر بسبب المشاكل الأمنية ووضع الإقتصاد الصعب، أما السعودية فموجودة في أزمة اقتصادية بسبب هبوط أسعار النفط ومجلس التعاون الخليجي انشق إثر الأزمة العميقة في العلاقات بين السعودية وقطر. أما النظام النيوليبرالي -هو نفسه الذي حظي بإجماع داخل أمريكا وبريطانيا في أيام بيل كلينتون وتوني بلير في التسعينات- قد وصل إلى نهايته بعد انتخاب ترامب والبريكسيت في بريطانيا.
إن السبب الرئيسي في انهيار النظام النيوليبرالي هو الفجوة الإجتماعية الكبيرة بين قلة قليلة من الأغنياء وأغلبية الفقراء، وقد أدت هذه الفجوة إلى انقسام عميق داخل المجتمع كما نرى في الولايات المتحدة بين قاعدة ترامب الإنتخابية وبين معارضيه. أما بالنسبة لترامب فكل من يعارضه هو خائن للوطن، وكل خبر ينتقده في الإعلام يعتبر بالنسبة له “اخبار مزيّفة” (fake news). أما في بريطانيا فقد انقسم المجتمع بين المثقفين والمهنيين الذين يريدون البقاء في الإتحاد الأوروبي وبين من يريد الخروج. إن النزعات القومية تصطدم مع من يريد أن يتواصل مع العالم، ووصل هذا الصراع الداخلي إلى مرحلة الإنقطاع الكامل بين الليبراليين الذين يعتبرون ترامب وقاعدته فاشيين أعداءً لقيم الديمقراطية والتضامن بين الناس على اختلاف انتماءاتهم الدينية أو القومية، وبين هذا اليمين المتطرف الذي يعتبر هؤلاء المواطنين الليبراليين غير وطنيين أمريكيين، محبي الغرب والثقافة الأجنبية ويكرهون كل ما هو أمريكي أصلي.
رغم كل الفروقات بين المجتمع الإسرائيلي والمجتمع الأمريكي نجد هنا انقساما شبيها بين اليمين الفاشي الإسرائيلي والجناح الليبرالي الديمقراطي. إن خطابات نتنياهو ووزراء اليمين الشعبوية، الكراهية للإعلام الإسرائيلي واستخدام نفس العبارات التي يستخدمها ترامب fake news في كل مرة يتهم بها نتنياهو بالفساد، محاولة كبح جماح محكمة العدل العليا، إتهام اليسار بأنه غير وطني ويخدم أجندات أجنبية، ونشر ثقافة دينية قومية بعيدة عن الرؤية المفتوحة للعالم وللثقافة العالمية، كلها تشبه نهج اليمين الأمريكي. ومثلما في أمريكا، تشكل الطبقة العاملة في إسرائيل، وأغلبيتها من أصل شرقي، قاعدة انتخابية لليمين بينما اليسار يتشكل من الشرائح المثقفة، المهن الحرة والعاملين في مجال الحاسوب والتكنولوجيا المتطورة. في إسرائيل مثلما هو الأمر في أمريكا فالحزب الحاكم يحظى بدعم الشرائح التي لا دور مركزي لها في الحياة الإقتصادية أو الثقافية في الوقت الذي تسيطر فيه الشريحة الليبرالية على الإعلام، المحاكم، والمبادرة الإقتصادية، لها ثقل اجتماعي كبير ولكنها لا تشكل أغلبية، ما يمنح لأعداء الديمقراطية والتقدم الأغلبية البرلمانية، الأمر الذي يعمق أكثر فأكثر الإنشقاق الداخلي بين الطرفين.
وإذا كانت العنصرية تجاه السود واللاتينيين تميّز موقف اليمين الفاشي الإمريكي ففي إسرائيل أصبحت الكراهية تجاه العرب والفلسطينيين راية اليمين المتطرف. إن من سمات الوطني الإسرائيلي العنصرية وكراهية العرب وفي المقابل من لا يوفق مع اليمين يصبح تلقائيا محبا للعرب وخائنا للوطن. وإذا كان في أمريكا الكثيرون من البيض الليبراليين الذين لا يحبون العيش بجوار السود، ففي إسرائيل كثير من اليهود الليبراليين يفضلون عدم الإختلاط مع العرب. ومع ذلك يوجد فرق كبير بين ما يعلنه على الملء أنصار اليمين تجاه العرب وسعيهم لتجريدهم من كل الحقوق وتبرير الإحتلال والتنكيل بالمواطن الفلسطيني، وبين من يعتبر نفسه ليبرالي ويعارض الإحتلال ولا يطيق العنصرية العلنية التي أصبحت جزءً من خطاب اليمين لكسب تأييد القاعدة الإنتخابية التابعة له. إن هذا الصراع الدائر في الولايات المتحدة له أهمية بالنسبة لمصير العالم ولكن الصراع الداخلي في إسرائيل له أهميته بكل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وسيكون خطأ كبيرا وخدمة لليمين الفاشي التجاهل لهذا الصراع بوصف كل الإسرائيليين صهاينة وعنصريين ورمي من يعارض اليمين والفاشية من الاسرائيليين في حضن اليمين الفاشي.
أما في الجانب الفلسطيني فالإنشقاق بين فتح وحماس يحتل الساحة السياسية حتى والأغلبية الساحقة من الشعب الفلسطيني لا تثق بأي من الطرفين. وقد برهنت فتح مثل حماس أنهما لا تحملان برنامجا واقعيا لمواجهة الإحتلال بل تسعيان إلى الإستيلاء على السلطة من أجل مصلحتهما السياسية والمادية لا غير. إن الطريقة التي تدير بها فتح الضفة الغربية لا تختلف كثيرا عن الطريقة التي تتصرف بها حماس في غزة. إن أجهزتها العسكرية أصبحت ككل الأنظمة العربية وسيلة لقمع الحريات المدنية وعلى رأسها الحق في التعبير الحر. إنها أجهزة فاسدة تعمل لصالح مؤيديها على حساب عامة الشعب الذي يعاني من البطالة، الفقر وغياب أبسط الخدمات الأساسية. إن فتح وحماس تعتمدان على الدعم الخارجي وليست لديهما أية خطة حقيقية للتنمية، والشعارات عن الدولة المستقلة أو المقاومة، تغطي عجزهما عن الإدارة النزيهة من ناحية ومواجهة الإحتلال من ناحية أخرى.
إن المجتمع الإسرائيلي مثله مثل المجتمع الفلسطيني موجود في أزمة سياسية عميقة نابعة من عدم وجود أفق لحل النزاع بينهما. الإسرائيليون منقسمون بين من ينادي للإاستمرار في الوضع الحالي- وضعٌ من الإحتلال، الإنتهاكات اليومية لحقوق المواطن الفلسطيني، من حصار وصراع دموي، وبين من يريد الحياة في دولة “عادية”، دولة ديمقراطية حرة خالية من العنصرية أو المشاركة طوعا أو إكراها في قمع شعب آخر. إن الفلسطينيين لا يعانون من الإحتلال فحسب بل من سيطرة جهاز قمعي فلسطيني فاسد ومتعلق بمساعدات من الخارج. أما الإسرائيليون فلا يواجهون الإحتلال فقط بل كذلك انعكاساته على حياتهم مثل إدخال الدين إلى المدارس، ملاحقة ثقافية ضد كل من يعبر عن تعاطف مع الفلسطينيين أو ينتقد ممارسات الجيش، قوانين تميز ضد العرب، محاولات للإستيلاء على وسائل الإعلام وأخيرا وليس آخرا ظاهرة الفساد التي تصل حتى رئيس الحكومة نفسه.
الدولة الواحدة وسيرورة التاريخ
مشروع الدولة الواحدة ليس فكرة جديدة يطرحها حزب دعم لأول مرة، بل هي تتماشى مع ما قد تم طرحه بعد التوقيع على اتفاق أوسلو الذي عارضه حزب دعم منذ البداية. الاستنتاج السياسي الأساسي الذي توصلنا إليه، وكنا وحدنا على الساحة من صرح به حينذاك، كان أن شعار “دولتان لشعبين – تقادم عليه الزمن” مثل ما نصّت عليه وثيقة مؤتمر دعم العام سنة 2000. ومن الجدير اقتباس هذه الفقرة التي تقيّم انعكاس اتفاق أوسلو على القضية الفلسطينية: “لقد قضى اتفاق أوسلو نهائيا على الفرصة التي سنحت للإسرائيليين والفلسطينيين للوصول إلى حل وسط على أساس تقاسم الأرض والسيادة الكاملة. ولكن إسرائيل رفضت، بشقيها اليميني واليساري، الحل الوسط الفلسطيني. وبعد التحولات الدولية الجديدة وجدت إسرائيل الفرصة لفرض برنامجها التاريخي وهو بسط سيادتها على كامل التراب الفلسطيني، وحرمان الفلسطينيين من حقهم في تقرير المصير”.
إن “التحولات الدولية” التي تشير إليها الوثيقة تتعلق بانهيار الإتحاد السوفييتي وبسط الهيمنة الأمريكية والنهج الإقتصادي النيوليبرالي على العالم. ومع ذلك أشارت الوثيقة وبشكل دقيق إلى الظروف التي من الممكن أن تقلب الامور رأسا على عقب وهي تشير الى العلاقة الجدلية بين القضية الفلسطينية والوضع في العالم العربي بشكل عام. وفي هذا الخصوص تشير الوثيقة، ونحن نتكلم عن سنة 2000، عقد كامل قبل اندلاع الربيع العربي كالتالي:
“ويعكس وضع الشعب الفلسطيني ما يحدث في العالم العربي. فازدياد رقعة الفقر والبطالة، وفقدان مصداقية الأنظمة بسبب تبعيتها المطلقة لأمريكا والفساد المستشري في أجهزتها الحاكمة، ونشاط الحركة الشعبية المناهضة للتطبيع مع إسرائيل، كلها مؤشرات على أن الوضع قابل للتغيير. إن اتفاق أوسلو ساري المفعول بسبب الجمود العربي، لذا فسوف تهتز دعائمه مع أول تغيير جذري في البنية السياسية والإجتماعية للعالم العربي.”
رغم قناعتنا بأن شعار الدولتان للشعبين “تقادم عليه الزمن” مثل ما جاء في وثيقة المؤتمر الرابع إلا أننا لم نر في هذه الفترة الزمنية من المناسب طرح شعار الدولة الواحدة، وحتى ناقشنا هذه الفكرة في وثيقة المؤتمر الرابع إلا أننا رفضناها. ومع ذلك أكدنا بأن أوسلو لا يشكل نهاية المطاف وقد وضعنا أملنا وتوقعاتنا في حدوث “تغيير جذري” في العالم العربي، الأمر الذي كان يعتبر وهما في هذه الفترة نظرا للهيمنة الأمريكية المطلقة على مجريات الامور. الا أن تحليلنا حول التناقضات الداخلية للنظام النيوليبرالي وتأثيرها على الأنظمة العربية كان صائبا وتنبأ ما حدث بعدها بـ 11 سنة، عندما سقطت الأنظمة العربية وتغير الوضع في الشرق الأوسط بشكل جذري.
واليوم نطرح فكرة الدولة الواحدة التي يتبين أنها من المستحيلات مثل ما تبين طرح “تغيير جذري” في العالم العربي سنة 2000، ولكن ما حدث أثبت أن التاريخ لا يتوقف، والتطورات الإقتصادية والسياسية لا بد أن تطفو على السطح وإن كان من الصعب كشفها وقت حدوثها. وإذا كانت التوقعات حول إمكانية الوصول إلى حل على أساس الدولتين عالية في وقت كتابة الوثيقة (عام 2000) واعتبر الموقف الرافض لأوسلو متطرفا وغير واقعي ويطعن في مصداقية ياسر عرفات والقيادة الفلسطينية، فاليوم أصبح واضحا لأغلبية الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني على حد سواء بأن حل الدولتين غير واقعي وليس قابلا للتنفيذ. أما ما يدفعنا إلى طرح برنامج الدولة الواحدة ليس الإعتقاد السائد باستحالة حل الدولتين فحسب بل لأن الظروف العربية والدولية تغيرت تغييرا جذريا حتى فقدت الولايات المتحدة هيمنتها على المنطقة، وبات الرفض للنظام النيوليبرالي رأيا منتشرا على نطاق عالمي.
وللحقيقة نقول إن اعتقادنا بأن برنامج الدولتين تقادم عليه الزمن لم يكن من منطلق طبيعة اتفاق أوسلو المجحف فحسب بل من تحليلنا بأنه في عهد العولمة والسوق المفتوحة للتبادل الحر للناس والبضائع لا مجال للدولة القومية. إن فكرة الدولة الفلسطينية جاءت متأخرا وبناء دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة تتمتع باقتصاد قوي، جهاز حكومي متمكن ومهني بالإضافة إلى مجتمع عصري، كل ذلك لا يمكن أن يتحقق في حالة تنافس فتح وحماس على السلطة، إذ تبين أن هتين الحركتين ليستا أحسن من الأنظمة العربية الفاسدة والفاشلة. إن الدولة القومية لم تفشل في فلسطين فقط بل وكما رأينا إثر الربيع العربي فهي فشلت في كل الدول العربية. إن عراق حزب البعث، وسوريا البعث، وليبيا القذافي، ووحدة اليمنين هي أكبر البراهين على فشل المشروع القومي العربي. ومع فشل المشروع القومي العربي، إنتهت القومية العربية، الجامعة العربية والأحزاب التي بسطت ديكتاتوريها على الشعب باسم المبادئ القومية.
وقد أجبرت دول أوروبا الغربية، فرنسا وألمانيا وبريطانيا على أن تتنازل عن سيادتها القومية لصالح الإتحاد الأوروبي الذي تأسس على أساس السوق الأوروبي المشترك. وبعد حروب استمرت سنين طويلة وحربين عالميين دمرت أوروبا بالكامل تنازل الألمان عن نزعاتهم القومية التي أدت بهم إلى الفاشية، بينما فرنسا وبريطانيا تنازلتا عن كبريائهما الإمبريالي. إن نهوض الشعوب العربية ما بعد الربيع العربي لن يتم إلا من خلال بناء سوق عربي مشترك، ككتلة اقتصادية متشابكة مع الإقتصاد العالمي وعلى أساس بنك عربي مركزي واحد، عملة واحدة وكنفدرالية بين كل الدول الأعضاء. إن الربيع كان عربيا، وانتشر مثل النار في الهشيم لأن الظروف التي تعيش فيها الشعوب العربية شبيهة جدا، وخلافا لأوروبا فلديها لغة مشتركة، ثقافة مشتركة، وتاريخ مشترك.
ولكن خلافا للإتحاد الأوروبي الذي يخضع لإملاءات الدول العظمى وعلى رأسها ألمانيا، فعلى الكنفدرالية العربيه أن تتمتع بالمساواة التامة بين أعضائها وأن تكون مبنية على أسس الديمقراطية والعدالة الإجتماعية. إن السبب الرئيسي للصراعات ونزاعات الإنفصال عن الإتحاد الإوروبي نابع من طبيعته النيوليبرالية.
أما الكونفدرالية العربية المطروحة لا تشبه الوحدة التي أراد أن يفرضها عبد الناصر على العرب في منتصف القرن الماضي، بل مؤسسة على التعاون الطوعي بين مجتمعات حرة، وبجهود مشتركة لإطاحة الحكام المستبدين، الملوك الفاسدين وحكم الملالي في إيران. إن الشرط لهذا النهوض الإقتصادي والسياسي العربي هو بلا شك خلق المناخ الدولي المشجع لمثل هذا التحول وهذا من خلال تغيير جذري في النهج النيوليبرالي المجحف نحو نظام اقتصادي وسياسي جديد. إن الثورة الصناعية الكبرى، والتكنولوجيات الجديدة تمنح الفرصة لبناء عالم بلا استغلال على أساس الشعار “عالم آخر ممكن”، ونحن نضيف عالم عربي آخر ممكن أيضا.
هذه التحولات التاريخية، الوعي المتكوّن حول الضرورة لاستبدال القومية بالتضامن الدولي، السوق القومي بالعولمة على أساس عادل، المضاربة في أسواق المال باقتصاد تعاوني، الإحتكارات الكبيرة بشركات تابعة للجمهور وفي خدمته، عالم دون فقر وجوع بسبب الوفرة والإمكانيات الضخمة لتوفير كل إنسان الحد الأدنى من احتياجاته، هذا الوعي العالمي الجديد إضافة إلى الربيع العربي، كفيل بتحويل المشروع القومي الفلسطيني والمشروع القومي الصهيوني إلى مشروعين خارج نطاق التاريخ. إن اضمحلال المشروع القومي الفلسطيني وانصهاره داخل المشروع العربي الجديد سيضع إسرائيل والإحتلال في عزلة مطلقة في المنطقة والعالم. من حق الفلسطينيين أن يقرروا مصيرهم ولكن ضمن النضال من أجل حق تقرير المصير لكل الشعوب العربية- مصريين، سعوديين، سوريين، عراقيين وغيرهم.. الذين أصبحوا محتلين ومشردين ودون أدنى الحقوق المدنية.
أما الإسرائيليين فعليهم أن يقرروا إذا أرادوا أن يبقوا جزء من المجتمع الدولي أو ان يعزلوا أنفسهم عنه. إن الشعب الإسرائيلي إثبت قدرته على بناء دولة حديثة، على تقديم اختراعات علمية في شتى المجالات والمساهمة الفعالة في أحداث الثورة التكنولوجيا الكبيرة التي ستضع حدا للنظام النيوليبرالي. إلا أن هذا المجتمع العصري والمتقدم إجتماعيا واقتصاديا يسيطر على حياة 5 ملايين فلسطيني أصبحوا ضحايا لهذا النظام. إنها ظاهرة طريفة بحد ذاتها، اقتصاد ومجتمع عصريان يتعايشان مع نهج وفكر ديني متخلف الأمر الذي يعتبر نقيضا للعلم وأبسط مبادئ حقوق الإنسان. فالطريقة الوحيدة المفتوحة أمام إسرائيل للتواصل مع العالم هي المساهمة الفعالة في تطوير الإقتصاد العربي وليس بدعم أنظمة فاسدة مثل النظام المصري، الأردني والسعودي الذين بات مصيرهم محتوما بالفشل.
إن شعار الدولة الواحدة ليس حلا سياسيا عينيا بل رؤية مستقبلية، إنه برنامج ثوري يتماشى مع الثورة العربية ومع الثورة الصناعية الكبرى التي تفتح المجال لبناء عالم جديد على أساس الدمقراطية والعدالة الإجتماعية. إن العمل السياسي والنضالات اليومية ضد الإحتلال، ضد التمييز العنصري، ضد ملاحقة الأقلام الحرة، ضد الإنغلاق الديني اليهودي والإسلامي، ضد قمع المرأة العربية، ضد ظاهرة العنف في المجتمع العربي، ضد الفجوة الإجتماعية داخل المجتمع الإسرائيلي، ضد التمييز بين اليهود وبين العرب، يتوجب منا رؤية مستقبلية مبنية على التواصل مع قوى ديمقراطية وثورية حول العالم، مع الشباب العربي الثائر ضد الإستبداد والإحتلال، مع الشباب والعمال الفلسطينيين الذين يناضلون من أجل حق تقرير مستقبلهم، ومع كل الناشطين الفعالين داخل المجتمع الإسرائيلي ضد الإحتلال، ضد العنصرية، ضد التعصب الديني ومن أجل مجتمع متساو وأفضل. هذا ما يقوم به حزب دعم منذ تأسيسه وما يحدث من تطورات في العالم ككل والعالم العربي بشكل خاص، يدفعنا إلى القناعة بأن التغيير ممكن والتعايش بين إسرائيليين وفلسطينيين ضمن إطار واحد ديمقراطي ومتساوٍ لا بد أن يتحقق.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.