فولة .. لقد كانت من أجلنا هناك

 

تخليدا لذكرى فيليتسيا لانغر (1930-2018)،  الصديقة الحقيقية والمحامية المناضلة من اجل حقوق الانسان التي رحلت الى مثواها الأخير في مدينة تيبينغن في ألمانيا.

لقد مضت سنوات على آخر لقاءاتنا مع فولة، كما أحببنا ان نسمي محاميتنا، فيليتسيا لانغر، لكن هذه السنوات لم تقلل من تقديرنا وإمتناننا وصداقتنا العميقة التي نشأت  فيما بيننا، حيث أخذت على عاتقها قيادة فريق المحامين الذي قام بحماية المعتقلين في قضية “طريق الشرارة”.  حيث كانت هذه السنوات الحاسمة في الإنتفاضة الأولى ، 1988-1989 ، عندما حُشدت المؤسسة  الاسرائيلية بأكملها، لسحق التمرد الشعبي للفلسطينيين، وداست على أي شخص تجرأ على الوقوف الى  جانب المنتفضين. وتضمن إستراتيجية “كسر وسحق عظام المنتفضين” السعي الى نزع الشرعية عن هؤلاء الذين يقفون مع الإنتفاضة داخل إسرائيل.

صحيفة “طريق الشرارة”  التي  شملتها تلك الاستراتيجية “أُغلقت بقرار امني، وسحب محرروها واحدا تلو الآخر إلى أقبية التحقيق. وأعلنت الصحافة الاسرائيلية، نقلاً عن مصادرها في جهاز الأمن العام “الشاباك”، أنه تم الكشف عن شبكة إرهابية خطيرة، ومن المتوقع أن يتلقى أعضاؤها عقوبة بالسجن تصل لمدة 40 سنة.

عندما توجهنا  إلى فولة لتأخذ على عاتقها الدفاع عنا، لم تتردد للحظة واحدة.تولت المهمة، وجاءت مع تأريخها الحافل بالدفاع عن السجناء الفلسطينيين. كانت لديها خبرة واسعة وفهم عميق للطرق التي تعمل بها الأنظمة العسكرية والأمنية الإسرائيلية.

في الإجتماع الأول مع معتقلي “طريق الشرارة”، صرحت بشكل واضح لا لبس فيه، أنها ترى في قضيتنا مسألة إضطهاد سياسي يمارسها نظام يحاول فرض سيطرته وإعادة الوضع الراهن للإحتلال الذي فقد في الإنتفاضة أهم سلاحه – الخوف وترهيب الناس. لقد وقفت إلى جانبنا بكل قوتها، ووعدت: “لن يكون هناك حكم أربعين سنة، ومن المرجح أنه ليس حتى أربع سنوات”.

وفي وقت لاحق، أقنعت قضاة المحكمة المركزية بالقدس، بإطلاق سراح المعتقلين حتى موعد المحاكمة. ما منع الإفراج عن معتقلي الشرارة بموجب هذا القرار كان القرار الشائن لقاضي المحكمة العليا أهارون باراك (الذي قوبل آنذاك بنقاش ساخن في الرأي العام الإسرائيلي) رفضه بحجج أمنية وقومية زائفة، وقدم بذلك المزيد من  النفخ في البالون المتضخم الذي أنتجته الأجهزة الأمنية.

كان دعم فولة على المستوى الإنساني والقانوني شاملا ومتكاملاً شملت الوقوف مع المعتقلين ومع الرفاق الذين  بقيوا بالخارج ، ومع أطفال المعتقلين وعائلاتهم. ومنحت الجميع الثقة في صحة الطريق، وبإمكانية تقويض ما يسمى بالحقائق التي قدمتها الأجهزة الأمنية.

كانت مقتنعة بأنها تستطيع إقناع القضاة والرأي العام، بأن معتقلي “طريق الشرارة” هم مناضلون ينتمون الى حركة سياسية مشروعة. وبالفعل ، فإن التسوية التي أقترحتها على المحكمة أدت في النهاية إلى إنهاء القضية القانونية من خلال الإعتراف بالمخالفات  الثانوية البسيطة، والسجن  لفترات قصيرة نسبياً – وهو حل وسط وصفته الصحافة الإسرائيلية آنذاك بالمثل “تمخض الجبل فولد فأراً”.

بعد المحاكمة، وحتى قبل إطلاق سراح آخر المعتقلين من مجموعة “طريق الشرارة”، يعقوب بن افرات، قررت فيليسيا لانغر وزوجها موشيه الهجرة إلى ألمانيا، والعيش بجوار ابنهما ميخائيل في مدينة تيبينغن. كان إحباط فولة من تعسف المحاكم العسكرية إلى جانب إنهيار الكتلة السوفييتية، والحركة الشيوعية، التي إرتبطت بها طيلة حياتها، سببا رئيسياً في قرارها بوقف عملها الميداني، كمحامية التي قاتلت بشراسة وجهاً بوجه الاحتلال وممارساته خلال اكثر من عقدين. وهكذا كانت قضية “طريق الشرارة” اخر قضية تترافع عنها، وبذلت كل ما في وسعها من اجل التسريع في الإفراج عن المعتقلين وكإنها شعرت أن هناك أشخاص سيكملون طريقها بعد الإفراج عنهم.

وعلى الرغم من التراجع الذي اصاب الكفاح الوطني الفلسطيني، إستمرت فولة في منفاها في ألمانيا منذ عام 1990 بالعمل التضامني مع الشعب الفلسطيني  قدر استطاعتها وكرست ذاتها حتى  لحظات حياتها الاخيرة من خلال الكتابة  والنشاطات العامة لكشف زيف العدالة والقوانين العسكرية والامنية الاسرائيلية ومن أجل حقوق الشعب الفلسطيني ومستقبل السلام الإسرائيلي الفلسطيني.

على الرغم من المسافة الجغرافية بيننا خلال العقود الأخيرة بقيت العلاقة بيننا  قوية وراسخة على المستوى الإنساني والنضالي. وسيبقى دعم ومساندة فولة لنا في تلك المرحلة الحرجة من مسيرة “طريق الشرارة” التي تحولت فيما بعد الى حزب دعم خالدا في ذاكرتنا ووجداننا.

لتبقى ذكراه خالدة ولروحا السلام والطمأنينية

 

عن حزب دعم

يرى حزب دعم أن برنامج "نيو ديل إسرائيلي – فلسطيني أخضر" هو الحل الأنسب لمعالجة الأزمة السياسية والاقتصادية التي تمر بها إسرائيل، وهو مرتكز أساسي لبناء شراكة إسرائيلية فلسطينية حقيقية لإنهاء نظام الفصل العنصري "الأبرتهايد" الذي تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين في المناطق المحتلة. هذا الحل مبني على أساس "العدالة المدنية"، ما يعني منح الفلسطينيين كامل الحقوق المدنية ووقف كل أنواع التمييز والتفرقة بين اليهودي والعربي ضمن دولة واحدة من النهر إلى البحر. إن تغيير الأولويات الاقتصادية والاجتماعية ومحاربة الاحتباس الحراري لإنقاذ البشرية من الانقراض ليس مهمة "صهيونية" فحسب أو "فلسطينية"، بل هي مهمة كونية وأممية في جوهرها. ومثلما لا يمكن تطبيق الأجندة الخضراء في أمريكا من دون معالجة العنصرية ضد السود، كذلك لا يمكن تحقيق برنامج أخضر في إسرائيل بمعزل عن إنهاء نظام الأبرتهايد والقضاء على التمييز العنصري تجاه المواطنين العرب في إسرائيل.