قطر تنضم الى محاصري غزة

عاد الاشتباك الاخير على الحدود بين اسرائيل وغزة الى اذهان الرأي العام الحصار المفروض على غزة الذي لا يزال قائم رغم تغريدة النصر التي اطلقت بعد 51 يوما من الصمود امام الجبروت الوحشي الاسرائيلي. ومثل ما يتبين بعد كل “حفلة” دموية من هذا القبيل لا يوجد من يتحمل تكلفتها الغالية بالأرواح والممتلكات. فقد كلف هذا النصر المزعوم 2000 قتيلا وخلّف وراءه دمار شمل 20,000 منزلا و100,000 مواطن دون مأوى. وقد نسي العالم من غزة بعد الحصول على اتفاق الهدنة بين حماس واسرائيل. الا ان المشكلة لم تُحل بعد والكارثة الانسانية ازدادت سوءا. واذا كان هدف حماس من الحرب فك الحصار عن غزة فهذا الهدف بعيد المنال والدليل الاكبر على ذلك، هي الاشتباكات المتجددة التي ازدادت حدتها في الاونة الاخيرة.

وللتذكير فقط، فان الحرب طالت كل هذه الفترة بسبب الخلاف الجوهري بين حماس واسرائيل على مبادرتين متنافستين. الاولى،  تبنتها اسرائيل بالكامل وهي المصرية. والثانية، التي تمسكت بها حماس وهي القطرية- التركية. المبادرة المصرية كانت بسيطة جدا، وقف اطلاق النار دون شروط ومفاوضات في القاهرة فيما بعد حول تسهيلات مستقبلية اما المبادرة القطرية فقد طالبت بفك الحصار بالكامل، فتح المعابر مع مصر وبناء ميناء بحري في غزة. حماس رضخت للشروط المصرية بعد ان بدأت اسرائيل بتدمير منهجي للبيوت واسقطت الابراج السكنية الاربعة التي بثّت الرعب في نفوس اهل غزة. المفاوضات المرتبكة تعطلت منذ البداية ومثلها الوعود بإعادة اعمار ما تم تدميره من قبل الدول المانحة وعلى رأسها قطر التي وعدت بمنح مليار دولار من مجمل 5 مليار دولار تم اقرارها في مؤتمر مهيب الذي انعقد في القاهرة خصيصا لهذا الموضوع في منتصف شهر اكتوبر المنصرم.

وكان من المفروض ان تتولى حكومة الوفاق الفلسطينية التي تم تشكيلها بعد ان فشلت المفاوضات بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية عملية اعادة البناء. والمفارقة الكبرى، احدى الاسباب التي ادت بإسرائيل لشن هجومها الشرس على غزة، احباط الوحدة بين فتح وحماس الا انه لم يكن أي داعي لتدمير غزة. فالعداوة بين الطرفين هي اكبر بكثير من العداوة بين اسرائيل والفلسطينيين. حكومة الوحدة لم تكن سوى حدث عابر، مثل ما اتضح عندما رفضت الحكومة في رام الله صرف رواتب موظفي حماس في غزة. مصر من جنبها تشترط ان تتولى الشرطة الفلسطينية المسؤولية عن المعابر كشرط لفتحها امام المرور الى سيناء، وما دام حماس ترفض، تبقى غزة محاصرة بين اسرائيل ومصر.

وقد غض ابو مازن الطّرف عن غزة وانشغل في مبادرة سياسية “جريئة”، من خلالها توجه الى مجلس الامن لاستصدار قرار ملزم يحدد مدة المفاوضات ويعترف بدولة فلسطين حتى سنة 2017 على اساس حدود 67. وقد اعلنت امريكا عن نيتها استخدام حق النقض “الفيتو”، مما يجهض المبادرة قبل ان تنطلق ولكن تخلق الانتباه المزيف بان السلطة تبادر وتعزل اسرائيل عن الساحة الدولية. على ارض الواقع تجري الامور في اتجاه عكسي تماما، التبعية لإسرائيل تتعمق كلما تتوسع الفجوة بين فتح وحماس. وقد اصبح التنسيق الامني مع اسرائيل عنصر اساسي من امن السلطة لمنع الانقلاب عليها من قبل حماس، مثل ما تبين بعد وفاة الوزير زياد ابو عين عقب مشاركته في مظاهرة ضد الجدار الفاصل وتعرضه الى الضرب من قبل الجنود الاسرائيليين. فرغم الاعلان الصريح من قبل جبريل رجوب احد قادة فتح البارزين بان التنسيق الامني مع الاحتلال قد توقف، على ارض الواقع، استمر هذا التنسيق وسيستمر كونه “مصلحة فلسطينية عليا” مثل ما اكدته القيادة الفلسطينية في اجتماع خصص لملابسات وفاة الوزير ابو عين.

وفي الوقت الذي يجول به ابو مازن وممثليه في العواصم العربية والدولية، للتباحث حول القرار الدولي المصيري في شأن فلسطين، يتجول عبد الفتاح السيسي ايضا في عواصم العالم وهو يطالب بالاعتراف بانقلابه العسكري كعملية ضرورية لإنقاذ مصر من الارهاب، وهو يقصد طبعا جماعة الاخوان المسلمين التي تشكل حماس جزءا لا يتجزأ منها. واذ يخشى ابو مازن من دخول غزة، فكل ما يطمح اليه السيسي هو القضاء على سلطة حماس التي تعتبر الباب الخلفي الداعم للإخوان المسلمين. واذا اخترت القاهرة كمكان للمفاوضات بين اسرائيل وحماس وممثل ابو مازن من يتولى رئاسة الوفد الفلسطيني في هذه المفاوضات، فبلا شك فان نتائجها حُسمت مسبقا والمعادلة بسيطة جدا، اذا تريدون فك الحصار فعليكم (حماس) ان تتنازلوا عن السلطة تماما، مثل ما حدث مع الاخوان في مصر فلا مكان لكم على الخارطة السياسية.

ومن اجل اكمال الصورة، لا بد من التطرق الى المصالحة السعودية-القطرية التي اتت بثمار الصلح بين مصر وقطر. فالإخوان المسلمين، اضحوا الخطر الاستراتيجي امام المملكة العربية السعودية، اخطر من ايران ومن الاسد. فالإسلام الإخواني يهدد الاسلام الوهّابي المُتشدّد البالي. وكل الوسائل مشروعة من اجل احباط حكم الاخوان المسلمين حتى تحويل الربيع العربي الى حرب اهلية، من دعم الجنرال السيسي في مصر الى الجنرال حفتر في ليبيا، الى عناصر جهادية في سورية ومنظمات كردية “يسارية” تتعاون مع النظام السوري، كل شيء مسموح عندما يتعلق بسلامة النظام الفاسد في الرياض. الاطاحة بالديكتاتوريين العرب، ادخل الرعب في قلب العائلة المالكة وهي ستعمل كل ما بوسعها لإعادة عجلة التاريخ الى الوراء. ومن هنا جاء الالحاح، بل والتهديد على امارة الغاز الصغيرة التي تحتمي بأكبر قاعدة جوية امريكية في المنطقة وتشق طريقها من خلال قناة “الجزيرة” على ان تعود الى الحاضنة الاصلية وتتنكر هي ايضا للربيع العربي. وتحت هذه الضغوط كلها وامام التراجع الكبير لنفوذ وقوى الاخوان المسلمين في الاقطار العربية كلها من تونس، مرورًا بمصر، الى سورية واخيرا غزة رضخت قطر للضغوط وقد اغلقت “الجزيرة مباشر مصر” كأول بادرة حسن نية.

في الآونة الاخيرة زادت الاشاعات حول عودة حماس الى حضن ايران وعن زيارة مرتقبة لزعيمها خالد مشعل الى طهران. نعم اللعبة مستمرة، كل طرف يفكر في مصلحته ويتبين بان قصة الحب بين حماس وقطر تقترب من نهايتها. واذا عادت حماس الى حضن طهران فهي تقترب بطريقة غريبة الى ابو مازن الذي تحفظ من الربيع العربي وهو يؤيد الاسد مثله مثل النظام الايراني. مهما يكن الوضع، فالقضية الفلسطينية اصبحت لعبة في يد كل دول المنطقة، الانقسام الداخلي وضعف القيادة ترمي فتح وحماس الى احضان الانظمة الفاسدة كلها، من القاهرة، عبر الدوحة، وحتى طهران. بلا شك، المستفيد الاكبر هي اسرائيل، فلا مجلس الامن ترعبها ولا طهران وهي تُدرك تماما بان ما دام الشعب الفلسطيني منقسم ويعتمد على هذه الانظمة الفاسدة التي تغير مواقفها حسب مهب الريح، فمن الممكن ان تستمر في استيطانها في الضفة الغربية وحصارها على غزة، التعاون الامني مع السلطة من ناحية وحماقة حماس من ناحية اخرى يضمن لليمين الاسرائيلي سنوات طويلة في السلطة. من المؤكد هو ان ليس برلمانات اوروبا وليس مجلس الامن سيقدم للشعب الفلسطيني استقلاله، الطريق الوحيد لإنجاز الحرية هو النضال الشعبي ضد الاحتلال ولكن اذا اراد هذا النضال ان ينجح على الشعب الفلسطيني ان يحدث تغيير سياسي عميق، ربيع فلسطيني حقيقي ضد ديكتاتورية فتح في الضفة واستبداد حماس في قطاع غزة.

תגיות: ,

عن