قائمة عربية يهودية مشتركة – هدف قابل للتحقيق

الانتخابات المبكرة في اسرائيل تحتَم على المواطنين العرب اعادة التفكير في نمط تصويتها للاحزاب العربية التي فشلت في تحقيق مطالبها وكرست حالة التشرذم الطائفي وعزلت الجماهير باعتماد الديماغوجية عِوَضًا عن الواقعية  والحكمة. بدلا من الهروب الى خيار الوحدة العربية الوهمية التي تضمن للاحزاب مقاعدهم في الكنيست، هناك خيارا جديدا لتشكيل قائمة عربية يهودية مشتركة لمحاربة العنصرية واليمين. دعوة الكاتب والسياسي الاسبق ابرهام بورغ لاقامة تلك الشراكة الجديدة تٌعتبر فرصة حقيقية للتغيير.

اطلق الكاتب والسياسي الاسبق في حزب العمل، ابراهام بورغ، رسالة هامة على صفحة موقعه الشخصي في الانترنت (8/12) والتي دعا فيها الى بناء “حركة الشراكة والمساواة” التي تخوض الانتخابات القادمة للكنيست كقائمة مشتركة يهودية-عربية، ملتزمة بشكل قاطع بضمان المساواة التامة لكافة المواطنين والسلام والاستقلال للشعبين، وفصل الدين عن الدولة.

تعتبر هذه الدعوة في غاية الاهمية، كون كاتبها قد شغل في الماضي منصب رئيس الكنيست وكان في حينه رئيس حزب العمل، وقرر في السنوات الاخيرة ان يغير عقيدته السياسية. ومن خلال مقالاته وتصريحاته وكتبه فقد تبنى موقفا مناهضا لاسس نظام التمييز والاحتلال، ويرفض بشكل قاطع الانزواء في اطار حزبي اليسار الاسرائيلي العمل وميرتس ويبحث عن شراكة مع الجماهير العربية لبناء مجتمع متساو. اضافة الى ذلك، هذه الدعوة تعود اهميتها ايضا الى كونها تعكس قطاع هام في المجتمع الاسرائيلي الذي ابدى في الفترة الاخيرة معارضته الشديدة للتوجه اليميني المتطرف الذي اعتمدته حكومة نتانياهو. ازاء قانون القومية المتطرف واستفزازات بعض اعضاء الكنيست من الليكود في الاقصى وظاهرة تدفيع الثمن الفاشية وحرق المدرسة اليهودية-العربية في القدس. علت اصوات وحركات في اسرائيل التي تظاهرت في الشوارع مطالبة باسقاط حكومة نتانياهو وانتهاج طريق سلمي والاعتراف بحق المواطنين العرب بالمساواة.

الوحدة العربية – سلاح ذو حدين

اعتداء عنصري على المدرسة اليهودية العربية المشتركة في القدس – الشعارات تقول “ليس هناك تعايش مع السرطان” والمقصود هو لا تعايش مع العرب

ان النقاش الدائر في هذا السياق، حول امكانية تشكيل قائمة عربية موحدة او قائمتين عربيتين ليس بهما مخرجا من الطريق المسدود الذي دخلت اليه السياسة العربية منذ سنوات. يحلم البعض بان تثمر الوحدة بين الاحزاب العربية الى الحصول على 15 عضو كنيست، الا انه حتى في حالة حصول معجزة بزيادة نسبة التصويت لدى العرب لقائمة عربية موحدة، والتي من شأنها ان تحصل على عدد اكبر من المقاعد، يبقى السؤال المطروح هنا: الى أي مدى ممكن ان تستخدم القوة البرلمانية العربية لاحداث اختراق في الشارع الاسرائيلي والى عزل اليمين المتطرف وتضمن التقدم نحو السلام والدولة متساوية الحقوق.

مصلحة الجماهير العربية وحمايتها في الظرف الخطير الذي نعيشه في ظل تنامي التطرف اليميني الفاشي في الساحة الاسرائيلية، تكمن في تجنيد الجماهير العربية وتوحيدها في اتجاه منضبط وواقعي يكسب تعاطف ودعم من قوى ديمقراطية ومحبة للسلام في اسرائيل وفي العالم. الوحدة العربية ليست بحد ذاتها طريقا او استراتيجية لكسب الحقوق. ما رأيناه في السنوات الاخيرة هو قيادات عربية من الاحزاب المختلفة التي تتبنى الخطاب القومي وتلتزم بخطابها بوحدة الجماهير، لكنها في حقيقة الامر، تعجز عن صياغة استراتيجية تخدم الجماهير. الشعارات الرنانة اصبحت بديلا للعمل الميداني اليومي وساهمت في تهميش العرب من الساحة الاسرائيلية.

احدى المبررات لافشال أي نقاش عن امكانية التعاون اليهودي- العربي كانت دائما تنص على ضعف التيار السلمي والديمقراطي في المجتمع الاسرائيلي، الامر الذي كان في نظر انصار التيار المنغلق قوميا او دينيا في الشارع العربي مبررا لاعتماد موقفا عنصريا معاكسا. في ظل تنامي قوة اليمين الاسرائيلي حظي هذا الموقف بمصداقية وسيطر على الرأي العام العربي اذ تراجعت القوى التقدمية وفقدت تاثيرها لصالح مواقف ترى ب”اليهود” عدوا وبموجب هذا التعريف، اصبح أي تعاون مع قوى اسرائيلية اثمًا وكفرًا.

هذه الفكرة البدائية التي تصنّف البشر حسب المنشأ القومي او الديني، وتشطب حرية الفكر والعقيدة ولا تقبل بالتعددية، لها علاقة وطيدة بعودة المجتمع العربي الى الطائفية والعائلية والفرض العنيف لانماط الحياة التقليدية والمحافظة، وعلى المرأة بشكل خاص وانتهاج سياسة كم الافواه. على هذه الخلفية اصبح شعار “توحيد العرب” اليوم مرادفا لمواصلة الحالة الماساوية التي دفعت المجتمع العربي الى الهاوية.

بديل القائمتين يكرس الانقسام الطائفي

مع الادراك عند الكثيرين بان توحيد الصفوف العربية هو هدف غير قابل للتنفيذ تطرح الجبهة – مع انها تقول ذلك بطريقة غير مباشرة – خيار بديل ينص على الذهاب براسين – او تشكيل قائمتين عربيتين للانتخابات، على ان يتم اتفاق فائض الاصوات بينهما. المبررات لهذا الخيار بانه لطالما يصعب على الجمهور المتدين والمحافظ قبول تمثيل نسائي او قبول الشيوعيين كممثليه وفي المقابل يصعب على العلمانيين والمسيحيين التصويت الى مرشحين من الحركة الاسلامية، فالافضل ان يتم تقسيم العرب الى معسكرين كي يتسنى لكل شخص ان يختار الكتلة التي تلائمه.

في الواقع يعيدنا هذا البديل، الى النهج الجبهوي في الناصرة خلال اكثر من عقدين الذي اعتبر ظهور الحركة الاسلامية وخطابها الطائفي كنزا للجبهة، لانه دفع المسيحيين بغض النظر عن خلافهم مع الجبهة الى حضنها وضمن مع نسبة معينة من العلمانيين والنشيطين الجبهويين الاغلبية الكافية لكي يستمر حكم الجبهة في المدينة.

في الانتخابات البلدية الاخيرة التي جرت في الناصرة، ضُربت الجبهة بنسف الاسلوب الذي مكنها من التغلب على الاخرين في الماضي. بعد ان قرر احد قيادييها (علي سلام) الانتقال الى معسكر الحركة الاسلامية وجمع حوله كل من كان له خلاف مع الجبهة بعد 40 عاما من السلطة وتمكن من هزم الجبهة والسيطرة على البلدية.

انه نفس الاسلوب المدمر الذي يستخدمه بشار الاسد في سورية لمواجهة الثورة الشعبية ضد حكمه الاستبدادي وذلك من خلال طرح نفسه كالمدافع عن الاقليات مقابل المد الاسلامي السني المتطرف. النتيجة هناك معروفة – دمار للبلد وللشعب بهدف ابقاء النظام. اذا كانت الجبهة تريد ان تعمم هذه التجربة على نطاق قطري، لتكسب اصوات المسيحيين والعلمانيين، فهي تخلق هنا بذلك حالة مأساوية على نطاق الجماهير فقط من اجل النيل من اهدافها الانتخابية الضيقة.

دون تحالف عربي- يهودي، لا يمكن محاربة اليمين

نقطة الانطلاق في طرح فكرة القائمة العربية اليهودية هي الادراك لدى الكثيرين بان السياسة اليسارية الصهيونية من ناحية، وسياسة الاحزاب العربية من الناحية الاخرى، فشلت فشلاً ذريعًا وضمنت لليمين الاسرائيلي الاغلبية البرلمانية خلال 3 عقود.

دعوة ابراهام بورغ للشراكة مع العرب التي ذكرناها، لم تأت بمحض الصدفة. انها تعبر عن ادراك الكثيرين في اليسار الاسرائيلي بان موقف حزب العمل وميرتس التاريخي اكل عليه الدهر وشرب، وان الانغلاق داخل المجتمع الاسرائيلي وعدم بناء جسور حقيقية للتواصل مع الشعب الفلسطيني والجماهير العربية يقود الى سيطرة اليمين على المجتمع الاسرائيلي وتقوية التوجه العنصري الفاشي، ويؤدي بالتالي الى حرب دون نهاية، ويجعل مهمة بناء مجتمع ديمقراطي انساني في ظلها امرا مستحيلا (انظروا مثلا مقال كوبي نيف – هارتس 8/12) .

في المقابل تنشر الصحف والمواقع العربية يوميا مقالات ومقابلات لكتاب ونشيطين الذين يعبرون عن استيائهم من الاحزاب العربية وسياساتها واهمالها للوضع الاجتماعي الخطير (انظروا على سبيل المثال الى مقال بلال شلاعطة كل العرب 12/12) وفقدان هذه القيادات لاستراتيجية سياسية وتبديلها بخطاب فارغ (مقال د. ثابت ابو راس العرب 1/11).

ليكن واضحًا – ليس في هذا الطرح المشترك، حلا سحريا للمشاكل ويخطئ من يظن انه من الممكن ان تدخل كتلة عربية يهودية من هذا القبيل الى الائتلاف الحكومي حتى لو تغلب الثنائي هرتسوغ-ليفني على نتانيهو في الانتخابات القادمة. الصعوبات هنا جسيمة، خاصة وان حزب العمل لا يزال يرفض حتى اليوم هذا الخيار ويتمسك في خيار الاجماع الصهيوني، الامر الذي برز في المؤتمر الصحفي المشترك لهرتسوغ وليفني وفي الشعار الذي تم اختياره لتحالفهما “المعسكر الصهيوني”.

المطلوب هو اذن بناء قوة سياسية نضالية التي تعمل على بناء قاعدة شعبية لها في الشارع العربي واليهودي في آن واحد، وتقف في المعارضة للحكومة – اذا كان على راسها نتانياهو او هرتسوغ – طالما تبقى السياسة الاسرائيلية مبنية على التفوق والاحتلال والعنصرية.

الارضية لاتخاذ خطوة ثورية من هذا القبيل قائمة. السؤال هو – هل سيكون هناك في صفوف المفكرين والنشيطين العرب واليهود، قدر كاف من الجرأة والشجاعة، مثلما كان لدى الشباب الثوري في تونس ومصر وسوريا، لكسر العادات والمناهج القديمة وفتح مسيرة جديدة ؟ تحد حقيقي جدير بالتفكير والعمل.

عن اساف اديب