بشائر الربيع الفلسطيني

محاضرة اسماء اغبارية زحالقة في المؤتمر الفكري “الاحتجاج والثورة”، الناصرة، حزيران 2012

كيف يؤثر الربيع العربي على القضية الفلسطينية، وما هي إمكانيات حدوث ربيع فلسطيني؟ بعض أسئلة تشغل بال الكثيرين الذين يتطلعون إلى المناطق المحتلة ويتساءلون “وين الملايين؟”. لا شك أن هناك إحباطا في الشارع الفلسطيني، نابعا من التضحيات الجسيمة التي جبتها الانتفاضة الثانية تحديدا، ومن فشل المشروع الوطني وانعدام الرؤية والقيادة. ولا يجب ان نغفل ان الموقف الفلسطيني معقد بسبب خضوع المناطق الفلسطينية لاحتلال مزدوج، خارجي وداخلي. ولهذا الوضع ثمنه، فهناك شرائح اجتماعية نمت في السنوات الاخيرة، وهي مستفيدة من الوضع القائم ومن بقاء السلطة، وهناك كثيرون مرتبطون بالسلطة للحصول على تصاريح ومعونات مختلفة.

ولكن رغم الصورة القاتمة، بدأت تظهر في الآونة الأخيرة مجموعات شبابية، يعبر أفرادها عن تفاؤل كبير بان الربيع الفلسطيني آت لا محالة، وما هي الا مسألة وقت حتى تندلع شرارته. هذا ما يؤكده ايضا مقال نشر في “نيويورك تايمز” (في 22/6/2012)، يكشف عن تقييم أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بأن “اندلاع انتفاضة ثالثة في المناطق المحتلة صار أمرا محتوما”.

هناك أكثر من 150 حركة شبابية فقدت ثقتها بالسلطة ولا تؤمن بالعملية السياسية بعد 20 عاما من الفشل. المجموعات الشبابية تتحرك في عدة اصعد، في حراك مطلبي تجاه السلطة، وفي حراك سياسي سلمي ضد الاحتلال، منه النشاط ضمن حركة المقاطعة لاسرائيل. معظم هذه الحركات لا تزال في طور البناء، ولم تحدد طريقها السياسي بعد.

من بشائر الربيع المرتقب الحراك الاحتجاجي مطلع هذا العام ضد التعديلات الضريبية الذي أجبر رئيس الحكومة سلام فياض على العدول عن إصلاحاته الاقتصادية.

 العامل الأول: طبيعة السلطة

سلطة فتح:

لا شك أن لكل بلد عربي خصوصياته، لذا يتوجب أن نفحص ماهية الربيع الفلسطيني المأمول، وما هي أسبابه، عناوينه والتحديات الماثلة أمامه. يحتاج هذا اول ان نحدد طبيعة السلطة الفلسطينية بشقيها الفتحاوي والحمساوي: هل هي جزء ام لا من الانظمة العربية التي تتعرض لثورة من شعوبها، وكيف يساهم برنامجها في التخلص من الاحتلال، أو في تكريسه.

لعل أهم ما تختلف به السلطة الفلسطينية عن الأنظمة العربية، هو كونها “مؤقتة”، فلا هي حركة تحرر وطني بالمعنى المعروف ولا هي نظام حكم سائد. طالما استغلت السلطة هذا الوضع الغريب لتبرر فشلها، في محاولة لكسب الوقت. ولكن الوقت سيف ذو حدين، وكما يبدو فان الشعب قد عيل صبره ولم يعد يحتمل.

عشرون عاما انقضت منذ بدء عملية السلام في مدريد، كان ا”لإنجاز الأكثر ديمومة منها هو الاستيطان وإطالة عمر الاحتلال الإسرائيلي” (رجاء الخالدي، جدلية، 19/9/2011). خلال هذه المدة قُضي على إمكانية إقامة الدولة الفلسطينية، بفعل التوسع الاستيطاني والرفض الاسرائيلي للتوصل لاتفاق على الحل النهائي، حتى لم تبقَ ارض تقوم عليها الدولة الفلسطينية.

بالمقابل، لم ينل الشعب من سلطته سوى القمع والفساد، وتوسيع أجهزتها الأمنية القائمة على التنسيق الأمني مع اسرائيل الذي يعتبر الشرط الأساسي للحصول على تبرعات الدول المانحة. في نظر الشعب، تحولت السلطة من مناضلة ضد الاحتلال الى متواطئة معه، وإلى نوع من الوكيل الفرعي الذي يتولى المهام الشاقة في حماية أمن الاسرائيليين من الشعب الفلسطيني، بدل أن يفعل العكس.

اذن، السلطة الفلسطينية تضع جنودها في خدمة الأمن الاسرائيلي، والدول المانحة تموّل، وكل هذا في ظل تواصل الاحتلال والاستيطان. بذلك، تكون السلطة الفلسطينية هي التي حرّرت اسرائيل من نفقات الاحتلال، بدل أن تحرر شعبها منه. لا غرابة اذن ان الرأي العام الاسرائيلي نسي ان هناك احتلالا، فلم يعد هناك أي حافز للتخلص منه. أو كما قال موسى ابو مرزوق القيادي في حماس لنيويورك تايمز (22/6/2012): “إسرائيل في حلقة مفرغة، من جهة تدعي ان السلام غير ممكن في ظل العنف، ولكن عندما لا يكون عنف،

عن