الثورة السورية: أسبابها، طابعها وأبعادها

هناك معارض آخر لم يوقّع إعلان دمشق بسبب انتقادات من جانب اليسار، وهو سلامة كيلة، كاتب ماركسي من أصل فلسطيني وُلد في بير زيت، وقضى ثماني سنوات في السجن السوري.

اختلفت القوى المختلفة في المعارضة السورية لفترة طويلة، حول مسألة إسقاط النظام والدعوة للتدخّل الدولي والعلاقة مع الجيش السوري الحرّ. لكنّ التطوّرات داخل سورية وخارجها أدّت إلى التقارب بين مواقف هذه القوى، وتعمل المعارضة في الوقت الراهن على بلورة تصريح سيتمّ عرضه قريبًا في مؤتمر المعارضة الموحّدة في مصر تحت رعاية الجامعة العربية.

عند إعدادي لهذه المحاضرة استعنتُ بالكتاب “السير على قدم واحدة” الذي صدر عام 2012 للكاتب ياسين الحاج صالح. انضمّ صالح لخلية شيوعية عندما كان طالبًا جامعيًّا للطبّ في سنّ التاسعة عشرة عام 1980. قام نظام البعث بسجنه لمدّة 15 عامًا بسبب نشاطه الثوري، وخرج من السجن عام 1996 عندما كان في السادسة والثلاثين من عمره. سُلب جواز سفره منه، لكن سُمح له بالكتابة لكسب رزقه في جريدة “الحياة” وفي الصحف الخليجية. كتابه هذا هو عبارة عن مجموعة مقالات كتبها منذ سنة 2006 وحتّى 2011، يحلّل فيها إشكالية النظام والدولة وينبّأ بالثورة وبالحاجة للتغيير، وبالفعل كان جزء من أقواله نبوءة قد تحقّقت.

كتب صالح عن تعامل النظام في مسألة العمليات الإرهابية في أكتوبر 2007: “في السنتين الأخيرتين تدّعي السلطات السورية أنّ ما يجري في سورية هي عمليات إرهابية؛ هذا الادّعاء الذي لا يحظى بمصداقية كبيرة على المستوى المحلّي والدولي. يشكّ معظم المراقبين أنّ جهة محلّية تقف وراء هذه العمليات الإرهابية وأنّ السلطات تحاول كسب التأييد جرّاء ذلك. هذا أمر في غاية الغرابة، فالنظام نفسه يستخدم العمليات الإرهابية ضدّ نفسه. لماذا؟ لإقناع الغرب بأنّ سورية تتعرّض لهجمات إرهابية أيضًا، وإذا سقط النظام فإنّها ستصبح حلبة لمنظّمات إسلامية متطرّفة”. يفسّر صالح بأنّ الرسالة موجّهة للعالم ولسورية ولدول الجوار. علامات السؤال التي تلوح فوق ادّعاءات النظام تظهر في طريقة تنفيذ العمليات الإرهابية وفي الغموض الذي يعتري هويّة المنظّمات التي نفّذتها لأوّل وهلة، وفي التصريحات الرسمية. بما أنّ الكاتب لا يملك دليلاً، فإنّه يستند إلى أنّ السلطات تقدّم تفسيرات سياسية وأيديولوجية عامّة، ولا تستند إلى أدلّة من أرض الواقع.

حتّى الصحفية اللبنانية المؤيّدة لسورية، التي يستعرض يعقوب بن إفرات في مقاله في “إتچار” كتابها “قلمي وألمي”، لا تدّعي أنّ الثورة مستوردة من خارج سورية، بل بالعكس، تصف الصحفية الأسباب المحلّية التي أدّت إلى الثورة في جميع المناطق السورية. أسباب الثورة السورية كثيرة، ولا شكّ أنّ الثورات في تونس ومصر أشعلت فتيل الثورة في الشارع السوري.

لم يفقد بشّار تأييد شعبه فحسب، بل فقد معه شرعيّته. تتفاقم عزلته الدولية وقد فقد تأييد الجامعة العربية وتركيا، والدول الغربية العظمى طبعًا، التي تدعم المعارضين، لكنّها ترفض التدخّل العسكري. يحظى الأسد في الوقت الراهن بتأييد إيران وحلفائها في المنطقة وبتأييد السلطات الشيعية في العراق التي لا ترغب في انتصار السنّيين، وفي الأساس بتأييد روسيا والصين، اللتين تدفعهما مصالحهما الاقتصادية والجيوسياسية في سورية.

رغم المذابح اليومية التي يتعرّض لها السكّان وعدم

עמודים: 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10

תגיות:

عن ميخال شفارتس