الثورة السورية: أسبابها، طابعها وأبعادها

محاضرة من المؤتمر الفكري لحزب دعم الذي انعقد في الناصرة في شهر حزيران 2012

مقدّمة

رفع الأعلام السورية في ميدان التحرير في القاهرة بعد نشر نتائج الانتخابات المصرية لم يكن صدفة. الثورة السورية التي تشكّل استمرارًا طبيعيًّا للربيع العربي، تواجه نظامًا لا شكّ أنّه أكثر الأنظمة العربية فتكًا، اذ لا يتوانى عن إغراق أبناء شعبه بالدم من أجل استمرار بقائه. الشعوب العربية الثائرة ضدّ الأنظمة الحاكمة في بلادها تأمل في انتصار الشعب السوري.

بشّار الأسد الشابّ اليافع والطبيب الذي تلقّى تعليمًا غربيًّا ويهوى الإنترنت، يقترف مذابح ضدّ شعبه أكثر ممّا فعل والده في حماة عام 1982. يرتكب بشّار مجازره الرهيبة في الشوارع السورية مستخدما كلّ الوسائل المتاحة، من صواريخ وقنابل، طيارات ودبّابات، ويلجأ للحرق والذبح بالسكاكين أيضًا. كلّ ذلك لا يمنعه من أن يدّعي بأنّه يمثّل الشعب السوري والعلمانية والتقدّم والإصلاح والصمود المتين أمام الاستعمار، ويدّعي أيضًا أنّه على استعداد للتصالح مع المعارضة. يبرّر بشّار أفعاله بذلك أنّ نظامه يواجه مؤامرات خارجية صهيونية- أمريكية، يدعمها الإرهاب الإسلامي المتطرّف. فنراه لا يتوانى عن زيارة حمص بعد أن دمرّها تمامًا، كما يقول المثل العامّي “يقتل القتيل ويمشي في جنازته”.

تقف الأغلبية الساحقة من الشعب السوري أمام هذا النظام المجرم، دون سلاح، في ايام الثورة الاولى كانت مظاهراتها سلمية تتخلّلها الدبكة. ما جعل الاحتجاج مسلّحًا هو الأسد نفسه، الذي شرع في استخدام جيشه ضدّ المواطنين العزّل. في الصراع من اجل البقاء تمّ تأسيس الجيش السوري الحرّ من قبل منشقّين عن الجيش النظامي، ردًّا على القمع الإجرامي الذي يقوم به الأسد، ولكنّ الجيش الحرّ لا يعادل جيش الأسد قوةً.

اذا كان الأسد قد ادعى في بداية الثورة أنّ نصف السوريين على الأقلّ معه، فإنّ الوضع مغاير اليوم. تجّار دمشق الذين حاولوا اتّخاذ موقف الحياد في السنة الأولى من الثورة، يعلنون الإضراب ضدّه؛ وحلب- ثاني أكبر مدينة، تحوّلت إلى ساحة حرب طاحنة. كلّما مرّ الوقت، اعتمد الأسد بمدى أكبر على قوّاته المسلّحة، التي تتفرّق هي أيضًا وتنشقّ عنه لصالح الجيش الحرّ. من أصل 23 مليون سوري، الأغلبية العظمى، وعلى رأسهم الفلاحون والفقراء الذين يشكّلون هوامش المجتمع، وصلوا إلى حدّ يفضّلون فيه الموت على الحياة مطأطئي الرأس تحت نظام يحكم عليهم بالفقر والتخلّف والفساد والاستبداد. بحسب التقديرات، قُتل حتّى الآن (حزيران 2012) حوالي 20 ألف مواطن سوري، وتحوّل مئات الآلاف إلى لاجئين في بلادهم أو في تركيا والأردن.

يتّهم النظام الثوّار بأنّهم يميلون إلى الإسلام المتطرّف وإلى الطائفية، ومن جهة أخرى يحمّل المسؤولية عن أعمال القتل لعصابات تنظيم القاعدة التي تسلّلت من خارج سورية دون تقديم أي دليل على هذا. اما بالنسبة للادّعاء الأوّل، فالحقيقة أنّ النظام الذي يتحكّم بالمؤسّسات الأمنية والسياسية والاقتصادية، هو الذي دفع المواطنين السوريين إلى أحضان الإسلام المتطرّف وإلى أحضان الطائفية والعائلية، عندما حظر جميع أشكال النشاطات او التنظيمات السياسية والاجتماعية وغيرها، ومنع حتّى الحوارات الأيديولوجية. بهذه الطريقة أصبح الإسلام المتطرّف والطائفية

עמודים: 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10

תגיות:

عن ميخال شفارتس